يشغله حساب عن حساب ، فيحاسب الجميع على أفعالهم في حالة واحدة. وسئل أمير المؤمنين عليهالسلام : كيف يحاسبهم في حالة واحدة؟ فقال : «كما يرزقهم في حالة واحدة».
ثمّ ذكر مثلا آخر لأعمال الكفّار ، فقال عطفا على «كسراب» : (أَوْ كَظُلُماتٍ) و «أو» للتخيير ، فإنّ أعمالهم لكونها لاغية لا منفعة لها كالسراب ، ولكونها خالية عن نور الحقّ كالظلمات المتراكمة (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) عميق كثير الماء. منسوب إلى اللجّ ، وهو معظم ماء البحر.
(يَغْشاهُ) يغشى البحر. يعني : يعلو ذلك البحر. (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) أي : أمواج مترادفة متراكمة (مِنْ فَوْقِهِ) من فوق الموج الثاني (سَحابٌ) غطّى النجوم وحجب أنوارها. والجملة صفة اخرى للبحر. فالظلمات : ظلمة من لجّ البحر ، وظلمة الأمواج ، وظلمة السحاب.
ويحتمل أن تكون «أو» للتنويع ، فإنّ أعمالهم إن كانت حسنة فكالسراب ، وإن كانت قبيحة فكالظلمات. أو للتقسيم باعتبار وقتين ، فإنّها كالظلمات في الدنيا ، وكالسراب في الآخرة.
(ظُلُماتٌ) أي : هذه ظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ). وقرأ ابن كثير : ظلمات بالجرّ ، على إبدالها من الأولى ، أو بإضافة السحاب إليها في رواية البزّيّ.
(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) الّتي هي أقرب ما يرى إليه. والضمير للواقع في البحر وإن لم يجر ذكره ، لدلالة المعنى عليه. وكذا الضميران في قوله : (لَمْ يَكَدْ يَراها) أي : لم يقرب أن يراها ، فضلا أن يراها. وهذا مبالغة في عدم رؤية اليد ، كقوله (١) :
إذا غيّر النأي المحبّين لم يكد |
|
رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح |
__________________
(١) لذي الرمّة. وميّة اسم محبوبته. والنأي : البعد. والمعنى : إن العشّاق إذا ابتعدوا عن محبوبهم زالت محبّته عنهم ، وأما أنا فلا يزول حبّها عن قلبي. ورسيس الحبّ والهوى : بقيّته وأثره.