(يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) يقرب ضوء برقه (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة وشدّة اللمعان. وذلك أقوى دليل على كمال قدرته ، من حيث إنّه توليد للضدّ من الضدّ.
(يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يصرفهما بالمعاقبة بينهما ، أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر ، أو بتغيير أحوالهما بالحرّ والبرد والظلمة والنور ، أو بما يعمّ ذلك.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما تقدّم ذكره من تسبيح من في السماوات والأرض ، وكلّ ما يطير بين السماء والأرض ، ودعائهم له ، وابتهالهم إليه. وأنّه سخّر السحاب التسخير الّذي وصفه ، وما يحدث فيه من أفعاله ، حتّى ينزل المطر منه. وأنّه يقسّم رحمته بين خلقه ، ويقبضها ويبسطها على ما تقتضيه حكمته. ويريهم البرق في السحاب الّذي يكاد يخطف أبصارهم ليحذروا ، وليتنبّهوا ويمتثلوا أمره. وأنّه يعاقب بين الليل والنهار ، ويخالف بينهما بالطول والقصر.
(لَعِبْرَةً) لدلالة واضحة على وجود الصانع القديم ، وكمال قدرته ، وإحاطة علمه ، ونفاذ مشيئته ، وتنزّهه عن الحاجة وما يفضي إليها (لِأُولِي الْأَبْصارِ) لذوي البصائر والعقول ، أي : لمن يرجع إلى بصيرة ، فنظر وفكّر ، وتبصّر وتدبّر.
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) حيوان يدبّ على الأرض. وقرأ حمزة والكسائي : خالق كلّ دابّة ، بالإضافة. (مِنْ ماءٍ) هو جزء مادّته. أو ماء مخصوص هو النطفة ، فيكون تنزيلا للغالب منزلة الكلّ ، إذ من الحيوانات ما يتولّد لا عن النطفة.
وقيل : «من ماء» متعلّق بـ «دابّة» وليس صلة لـ «خلق».
وتنكير الماء ليدلّ على أنّه خلق كلّ دابّة من نوع من الماء مختصّ بتلك الدابّة. أو خلقها من ماء مخصوص ، وهو النطفة. ولمّا كان اسم الدابّة موقعا على المميّز وغير المميّز ، غلّب المميّز ، فأعطى ما وراءه حكمه ، كأنّ الدوابّ كلّهم مميّزون.
(فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحيّة والدود. فذكر «من» وذكّر الضمير