كالرباب جمع ربابة ، بمعنى السحاب الأبيض. (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) بأن يكون قطعا رقيقة فيضمّ بعضها إلى بعض ، فيجعل القطع المتفرّقة منه قطعة واحدة. وبهذا الاعتبار صحّ «بينه» وهو واحد ، إذ المعنى : بين أجزائه. وقرأ نافع برواية ورش : يولّف غير مهموز.
(ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) متراكما متراكبا بعضه فوق بعض (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) من فتوقه ومخارجه. جمع خلل ، كجبال جمع جبل.
(وَيُنَزِّلُ) مبتدأ (مِنَ السَّماءِ) أي : من الغمام ، فإنّ كلّ ما علاك فهو سماء (مِنْ جِبالٍ فِيها) بعضها من قطع عظام تشبه الجبال في عظمها أو جمودها ، كما يقال : فلان يملك جبالا من ذهب (مِنْ بَرَدٍ) بيان للجبال. الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، والثالثة للتبيين.
ويجوز أن تكون الأوليان للابتداء ، والأخيرة للتبعيض ، واقعة موقع المفعول.
وعلى الأوّل مفعول «ينزّل» : «من جبال». وعلى الثاني محذوف ، أي : ينزّل البرد مبتدأ من السماء من جبال فيها من برد.
وقيل : المراد أنّ الله يخلق في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر ، فينزّلها بقدر ما يشاء.
والمشهور بين أرباب العلوم العقليّة أنّ الأبخرة إذا تصاعدت ، ولم تحلّلها حرارة ، فبلغت الطبقة الباردة من الهواء ، وقوي البرد هناك اجتمع وصار سحابا. فإن لم يشتدّ البرد تقاطر مطرا. وإن اشتدّ ، فإن وصل إلى الأجزاء البخاريّة قبل اجتماعها نزل ثلجا ، وإلّا نزل بردا. وقد يبرد الهواء بردا مفرطا ، فينقبض وينعقد سحابا ، وينزل منه المطر أو الثلج. وكلّ ذلك لا بدّ وأن يستند إلى إرادة الواجب الحكيم ، لقيام الدليل على أنّها الموجبة لاختصاص الحوادث بمحالّها وأوقاتها. وإليه أشار بقوله : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) فيهلك زرعه وماله (وَيَصْرِفُهُ) ويصرف ضرره (عَنْ مَنْ يَشاءُ) فيكون إصابته نقمة ، وصرفه نعمة.