قالوا : لا. قال : فلستم بأصدقاء».
والأصل أنّه إذا تأكّدت الصداقة علم الرضا بالأكل ، فيقوم العلم مقام الإذن.
وعن ابن عبّاس : أنّ الصداقة أقوى من النسب ، فإنّ أهل النار لا يستغيثون بالآباء والأمّهات ، بل بالأصدقاء ، فيقولون : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١).
قيل : إذا كان شرط الإباحة عدم كراهة المالك ، فأيّ فرق بين بيوت المذكورين وبين بيوت غيرهم؟
أجيب : الفرق أنّ في بيوت غير المذكورين يشترط العلم بالرضا ، وأمّا بيوت الأقارب المذكورين فيكفي عدم العلم بالكراهة. وما روي عن أئمّتنا عليهمالسلام أنّهم قالوا : لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكره الله تعالى بغير إذنهم قدر حاجتهم من غير إسراف ، مشروط بالشرط المذكور.
وقيل : إنّهم كانوا يتحرّجون من المؤاكلة مع ذوي العاهات ، ويقولون : إنّ الأعمى لا يبصر ، فنأكل جيّد الطعام دونه ، والأعرج لا يتمكّن من الجلوس ، والمريض يضعف عن الأكل. فنزلت : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) مجتمعين أو متفرّقين.
قيل : نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة ، كانوا يتحرّجون أن يأكل الرجل وحده. أو في قوم من الأنصار ، إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلّا معه. أو في قوم تحرّجوا عن الاجتماع على الطعام والمؤاكلة ، لما عسى أن يؤدّي إلى الكراهة من قبلهم. وقيل : كان ذلك في أوّل الإسلام فنسخ.
(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً) من هذه البيوت (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) على أهلها الّذين هم منكم دينا وقرابة (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) ثابتة بأمره ، مشروعة من لدنه. وانتصابها بالمصدر ، لأنّها بمعنى التسليم ، كما تقول : حمدت شكرا. (مُبارَكَةً) لأنّها دعوة مؤمن
__________________
(١) الشعراء : ١٠٠ ـ ١٠١.