(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) خوف الغرق (فِي الْبَحْرِ) باضطراب الأمواج (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ) ذهب عن خواطركم وأوهامكم كلّ من تدعونه في حوادثكم (إِلَّا إِيَّاهُ) وحده ، فإنّكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه ، فلا تدعون لكشفه إلّا إيّاه. أو ضلّ كلّ من تعبدونه عن إغاثتكم إلّا الله (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ) من الغرق (إِلَى الْبَرِّ) وأمنتم منه (أَعْرَضْتُمْ) عن التوحيد كفرانا للنعمة (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) كثير الكفران. هذا كالتعليل للإعراض.
(أَفَأَمِنْتُمْ) الهمزة للإنكار ، والفاء للعطف على محذوف تقديره : أنجوتم فأمنتم (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) فحملكم ذلك على الإعراض عن التوحيد؟! وليس كذلك ، فإنّ من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق ، قادر أن يهلككم في البحر بالخسف وغيره. و «جانب البرّ» مفعول به لـ «يخسف» كالأرض في قوله : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) (١). والمعنى : أن يخسف جانب البرّ ، أي : يقلبه وأنتم عليه ، أو يقلبه بسببكم ، فـ «بكم» حال أو صلة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه (٢) وفي الأربعة الّتي بعده.
وفي ذكر الجانب تنبيه على أنّهم كما وصلوا الساحل كفروا وأعرضوا ، وأنّ الجوانب والجهات في قدرته سواء ، لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك. فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله تعالى في جميع الجوانب وحيث كان.
(أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) ريحا تحصب ، أي : ترمي بالحصباء. أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف ، أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء ، فيرجمكم بها ، فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر. (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) يحفظكم من ذلك ، فإنّه لا رادّ لفعله.
(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) أي : في البحر (تارَةً أُخْرى) بإلهام دواع تلجئكم
__________________
(١) القصص : ٨١.
(٢) أي : نخسف ، وكذا : نرسل ، نعيدكم ، فنرسل ، فنغرقكم.