(فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً) قولا متجاوزا عن الحقّ ، بجعل الكلام الّذي أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب ، إفكا مختلقا متلقّفا من اليهود أو الروميّ العجمي. (وَزُوراً) بنسبة ما هو بريء منه إليه. و «أتى» و «جاء» يستعملان في معنى : فعل ، فيعدّيان تعديته.
ولمّا تقدّم التحدّي وعجزهم عن الإتيان بمثله ، اكتفى الله سبحانه ها هنا بهذا القدر تنبيها على ذلك.
(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ما سطره المتقدّمون ، من نحو أحاديث رستم وإسفنديار. جمع أسطار ، أو أسطورة كأحدوثة. (اكْتَتَبَها) كتبها لنفسه وأخذها ، فإنّ «افتعل» قد يكون للاتّخاذ ، نحو : اشترى. ومثله : استكبّ الماء واصطبّه ، إذا سكبه وصبّه لنفسه وأخذه. أو استكتبها. (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) ليحفظها ، فإنّه أمّي لا يقدر أن يكتب (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) طرفي النهار ، أي : دائما. أو في الخفية قبل أن ينتشر الناس ، وحين يأوون إلى مساكنهم.
(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأنّه أعجزكم عن آخر كم بفصاحته ، وتضمّنه إخبارا عن مغيّبات مستقبلة ، وأشياء مكنونة لا يعلمها إلّا من هو يعلم ما تسرّونه أنتم من الكيد لرسوله ، مع علمكم أنّ ما تقولونه باطل وزور. وكذلك يعلم باطن أمر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبراءته ممّا تبهتونه به. وهو يجازيكم ويجازيه على ما علم منكم وعلم منه.
(إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) فلذلك لا يعجل في عقوبتكم على ما تقولون ، مع كمال قدرته عليها ، واستحقاقكم أن يصبّ عليكم العذاب صبّا ، لإسنادكم كلامه الفائق على كلّ كلام لفظا ومعنى إلى أساطير الأوّلين.
(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها