(ضَيِّقاً) لزيادة العذاب ، فإنّ الكرب مع الضيق ، كما أن الروح مع السعة. ولذلك وصف الله الجنّة بأنّ عرضها كعرض السماوات والأرض. وقرأ ابن كثير والكسائي بسكون الياء.
وفي الحديث : «إن لكلّ مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا».
ولقد جمع الله على أهل النار أنواع التضييق والإرهاق ، حيث ألقاهم في مكان ضيّق يتراصّون (١) فيه تراصّا. كما روي عن ابن عبّاس في تفسيره : أنّه يضيّق عليهم كما يضيّق الزجّ (٢) في الرمح.
(مُقَرَّنِينَ) قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل. وعن الجبائي : ويقرن مع كلّ كافر شيطانه في سلسلة ، وفي أرجلهم الأصفاد (٣).
(دَعَوْا هُنالِكَ) في ذلك المكان (ثُبُوراً) هلاكا. أي : يتمنّون هلاكا وينادونه ، فيقولون : يا ثبوراه تعال فهذا أوانك.
فيقال لهم : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً) إنّهم أحقّاء بأن يقال لهم ذلك ، وإن لم يكن ثمّ قول (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) لأنّ عذابكم أنواع كثيرة ، كلّ نوع منها ثبور ، لشدّته وفضاعته ، كلّما نضجت جلودهم بدّلوا جلودا غيرها ، فلا غاية لهلاكهم ، فهم في كلّ وقت في ثبور.
(قُلْ أَذلِكَ) أي : ذلك العذاب ، أو الّذي اقترحتموه من الكنز والجنّة (خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الاستفهام والتفضيل والترديد للتقريع والتهكّم. والراجع إلى الموصول محذوف ، أي : وعدها المتّقون. وإضافة الجنّة إلى الخلد للمدح ، أو للدلالة على خلودها ، أو التمييز عن جنّات الدنيا.
(كانَتْ لَهُمْ) في علم الله ، أو اللوح قبل أن يريهم. أو لأنّ ما وعده الله في تحقّقه كالواقع. (جَزاءً) على أعمالهم بالوعد (وَمَصِيراً) مرجعا ومستقرّا ينقلبون إليه. وهذا
__________________
(١) أي : يتلاصقون. من : تراصّ القوم إذا تضامّوا وتلاصقوا.
(٢) الزجّ : الحديدة التي في أسفل الرمح.
(٣) الأصفاد جمع الصفد. وهو الوثاق ، وما يوثق به الأسير من قيد أو غلّ.