(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) عطف على ما حكى عنهم ، أي : بل أتوا بأعجب من ذلك كلّه ، وهو تكذيبهم بالساعة ، فلا تعجب من تكذيبهم إيّاك. ويجوز أن يتّصل بما يليه ، كأنّه قال : بل كذّبوا بالساعة فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب؟ وكيف يصدّقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بالآخرة؟ أو لأجل تكذيبهم الساعة قصرت أنظارهم على الحطام الدنيويّة ، وظنّوا أنّ الكرامة إنّما هي بالمال ، فطعنوا فيك لفقرك. أو فلذلك كذّبوك ، لا لما تمحّلوا من المطاعن الفاسدة.
(وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) نارا شديدة الاستعار. وقيل : هو اسم لجهنّم. فيكون صرفه باعتبار المكان.
ثمّ وصف ذلك السعير فقال : (إِذا رَأَتْهُمْ) إذ كانت السعير بمرأى منهم ، كقولهم : دورهم تترى ، أي : تتناظر. وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تراءى نارهما» أي : لا تتقارب نار المسلمين والكافرين بحيث تكون إحداهما بمرأى من الاخرى ، على المجاز. والتأنيث لأنّه بمعنى النار أو جهنّم.
(مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) هو أقصى ما يمكن أن يرى منه.
قال أبو عبد الله عليهالسلام : «من مسيرة سنة».
وقال السدّي والكلبي : من مسيرة مائة سنة. وحقيقة المعنى : أنّهم يرونها من أقصى مكان. والمعنى المجازي أبلغ ، فإنّ معناه أنّها كأنّها تراهم رؤية الغضبان ، كما قال : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) صوت تغيّظ وغليان. شبّه صوت غليانها بصوت المغتاظ.
(وَزَفِيراً) وصوت زفير. وهو صوت يسمع من جوفه. روي : أنّ جهنّم لتزفر زفرة لا يبقى نبيّ ولا ملك إلّا خرّ لوجهه. ولا يبعد من قدرة الله تعالى أن يخلق في النار حياة فترى وتتغيّظ وتزفر.
وقيل : إنّ ذلك لزبانيتها ، فنسب إليها على حذف المضاف. والمعنى : إذا رأتهم زبانيتها تغيّظوا وزفروا على الكفّار للانتقام منهم.
(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً) أي : في مكان. و «منها» بيان له تقدّم عليه فصار حالا.