قَوْماً بُوراً) هالكين فاسدين. مصدر وصف به ، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع. أو جمع بائر ، كعائذ وعوذ.
واعلم أنّ في هذه الآية دلالة على بطلان قول من يزعم أنّ الله سبحانه يضلّ عباده على الحقيقة ، حيث يقول للمعبودين من دونه : أأنتم أضللتم أم هم ضلّوا بأنفسهم؟ فيتبرّءون من إضلالهم ، ويستعيذون به أن يكونوا مضلّين. ويقولون : بل أنت تفضّلت على هؤلاء وآبائهم ، فجعلوا النعمة الّتي هي سبب الشكر سببا للكفر ونسيان الذكر ، فكان ذلك سبب هلاكهم. فبرّءوا أنفسهم من الإضلال ، ونزّهوه سبحانه أيضا منه ، حيث أضافوا إليه التمتيع بالنعمة ، وأضافوا نسيان الذكر الّذي هو سبب البوار إليهم. فشرحوا الإضلال المجازيّ الّذي نسبة الله إلى ذاته في قوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) (١). ولو كان هو المضلّ على الحقيقة لكان الجواب أن يقولوا : بل أنت أضللتهم بما يقولون.
ثمّ التفت إلى العبدة احتجاجا وإلزاما ، فقال : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) أي : فقد كذّبكم المعبودون أيّها المشركون (بِما تَقُولُونَ) في قولكم : إنّهم آلهة ، أو هؤلاء أضلّونا. والباء بمعنى «في». أو مع المجرور بدل من الضمير ، كأنّه قيل : فقد كذّبوا بما يقولون. وعن ابن كثير بالياء ، أي : كذّبوكم بقولهم : (سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ).
(فَما تَسْتَطِيعُونَ) أي : المعبودون. وقرأ حفص بالتاء على الخطاب للعابدين.
(صَرْفاً) دفعا للعذاب عنكم. وقيل : لصرف التوبة. وقيل : حيلة. من قولهم : إنّه ليتصرّف ، أي : يحتال. (وَلا نَصْراً) فيعينكم عليه.
(وَمَنْ يَظْلِمْ) على نفسه بالشرك والمعاصي (مِنْكُمْ) أيّها المكلّفون (نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) شديدا عظيما ، وهو النار. والشرط وإن عمّ كلّ من كفر وفسق ، لقوله :
__________________
(١) الرعد : ٢٧ ، وغيرها.