(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) نجمعهم للجزاء. وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص بالياء (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعمّ كلّ معبود سواه. واستعمال «ما» إمّا لأنّ وضعه أعمّ ، ولذلك يطلق لكلّ شبح يرى ولا يعرف. أو لأنّه أريد به الوصف ، كأنّه قيل : ومعبودهم.
كما تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد : ما زيد؟ تعني : أطويل أم قصير؟ أفقيه أم طبيب؟ أو لتغليب الأصنام تحقيرا ، أو اعتبارا لغلبة عبّادها. أو يخصّ الملائكة وعزيزا والمسيح بقرينة السؤال والجواب. وذكر «ما» لإرادة وصف المعبوديّة كما عرفت. أو الأصنام ينطقها الله تعالى ، أو تتكلّم بلسان الحال ، كما قيل في كلام الأيدي والأرجل.
(فَيَقُولُ) أي : للمعبودين. وهو على تلوين الخطاب. وقرأ ابن عامر بالنون.
(أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) ضلّوا عن سبيل الحقّ ، لإخلالهم بالنظر الصحيح ، وإعراضهم عن المرشد النصيح. وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبدة.
والفائدة في ذكر «أنتم» و «هم» وإيلائهما حرف الاستفهام ، أن يعلم أنّ السؤال ليس عن الفعل ، وإنّما هو عن متولّيه ، فلا بدّ من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ، حتّى يعلم أنّه المقصود بالسؤال عنه. وتركت صلة الضلالة للمبالغة.
(قالُوا سُبْحانَكَ) تعجّبا ممّا قيل لهم ، لأنّهم إمّا ملائكة ، أو أنبياء معصومون ، أو جمادات لا تقدر على شيء. أو إشعارا بأنّهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده ، فكيف يليق بهم إضلال عبيده؟ أو تنزيها لله عن الأنداد.
ثمّ قالوا : (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) ما يصحّ لنا (أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) للعصمة. فكيف يصحّ لنا أن ندعو غيرنا أن يتولّى أحدا دونك؟ والأخذ هنا متعدّ إلى مفعول واحد ، وهو «من أولياء». والأصل : أن نتّخذ أولياء ، فزيدت «من» لتأكيد معنى النفي.
(وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) بأنواع النعم ، فاستغرقوا في الشهوات (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) حتّى غفلوا عن ذكرك. أو التذكّر لآلائك ، والتدبّر في آيات كتابك. (وَكانُوا