وضع موضع ضميرهم ، تسجيلا على جرمهم ، وإشعارا بما هو المانع للبشرى ، والموجب لما يقابلها.
(وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) عطف على المدلول ، أي : ويقول الكفرة حينئذ هذه الكلمة ، استعاذة وطلبا من الله أن يمنع لقاء هم العذاب. وهي ممّا كانوا يقولون عند لقاء عدوّ أو هجوم نازلة. يعني : كما كانوا يقولون في الدنيا إذا لقوا من يخافون منه القتل ويفزعون : حجرا محجورا دماؤنا ، قالوا تلك الكلمة عند مشاهدة العذاب.
وقال الخليل : كان الرجل يرى الرجل الّذي يخاف منه القتل في الجاهليّة في الأشهر الحرام فيقول : حجرا محجورا ، أي : حرام عليك حرمتي في هذا الشهر أن تبدأ بشرّ ، فإذا كان يوم القيامة رأوا الملائكة ، فقالوا ذلك ظنّا منهم أنّه ينفعهم.
وقيل : هي من قول الملائكة. ومعناه حينئد : حراما عليكم الجنّة والبشرى ، أي : جعل الله ذلك حراما عليكم.
قال سيبويه في باب المصادر غير المتصرّفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها ، نحو : معاذ الله ، وعمرك ، وحجرا محجورا. يقول الرجل للرجل : أتفعل كذا وكذا؟ فيقول : حجرا. وهي من : حجره إذا منعه ، لأنّ المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه ، فلا يلحقه. فكان المعنى : أسأل الله أن يحجر ذلك حجرا ، أي : يمنعه منعا. ووصفه محجورا للتأكيد ، كقولهم : موت مائت.
(وَقَدِمْنا) وعمدنا وقصدنا (إِلى ما عَمِلُوا) في كفرهم (مِنْ عَمَلٍ) من المكارم والمحاسن ، كقرى الضيف ، وصلة الرحم ، وإغاثة الملهوف ، وفداء الأسير ، وغير ذلك (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) فأحبطناه ، لفقد ما هو شرط اعتباره ، وهو الإيمان.
وليس هنا قدوم ولا ما يشبه القدوم ، ولكن مثّلت حال هؤلاء وأعمالهم الّتي عملوا في كفرهم من محاسنهم ، بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه ، فقدم إلى أشيائهم ، وقصد إلى ما تحت أيديهم ، فمزّقها كلّ ممزّق ، وأبطلها ولم يبق لها أثرا.