(وَلَقَدْ أَتَوْا) يعني : قريشا مرّوا مرارا في متاجرهم إلى الشام (عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) يعني : سدوم عظمى قرى قوم لوط. وكانت خمسا ، أهلك الله أربعا بأهلها ، وبقيت واحدة أمطرت عليها الحجارة.
(أَفَلَمْ يَكُونُوا) في مرار مرورهم (يَرَوْنَها) ينظرون إليها ، فيتّعظون بما يشاهدون فيها من آثار عذاب الله (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) بل كانوا كفرة لا يتوقّعون نشورا ولا عاقبة ، فلذلك لم ينظروا ولم يتّعظوا ، فمرّوا بها كما مرّت ركابهم. أو لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون طمعا في الثواب. أو لا يخافونه ، على اللغة التهاميّة.
(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) ما يتّخذونك إلّا موضع هزؤ ، أو مهزوءا به.
يعني : يستهزؤن بك. (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) محكيّ بعد قول مضمر ، أي : يقولون : أهذا. والهمزة والاشارة للإنكار والاستحقار. وإخراج بعث الله رسولا في معرض التسليم والإقرار ، وهم على غاية الإنكار ، تهكّم واستهزاء. ولو لاه لقالوا : هذا الّذي زعم أنّه بعثه الله رسولا.
(إِنْ كادَ) إنّه كاد (لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) ليصرفنا عن عبادتها ، بفرط اجتهاده في الدعاء إلى التوحيد ، وكثرة ما يوردها ممّا يسبق إلى الذهن بأنّها حجج ومعجزات (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) ثبتنا عليها واستمسكنا بعبادتها لأزالنا عن ذلك.
وحذف الجواب لدلالة الكلام السابق عليه. فـ «لو لا» جار من حيث المعنى ـ لا من حيث اللفظ ـ مجرى التقييد للحكم المطلق ، لأنّ صناعة النحو تقتضي أنّ كلمات الشرط تأتي بعدها جملتان : شرط وجزاء. وقد يأتي في بعض المواضع الّذي يراد به تقييد الجملة المتقدّمة محذوفا جوابها ، فيقيّد بها الجملة المذكورة قبلها ، ويكون جوابها محذوفا. وكما تكون كلمات الشرط بهذه الحيثيّة ، فكذلك «لو لا» ، فإنّ حكمها حكم كلمات الشرط في اقتضاء الجملتين ، وتقدير الربط بينهما.
روي : أنّ هذا من قول أبي جهل لعنه الله. فقال سبحانه متوعّدا عليه : (وَسَوْفَ