وقدّم إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسيّ ، لأنّ حياة الأناسيّ بحياة أرضهم وحياة أنعامهم ، فقدّم ما هو سبب حياتهم وتعيّشهم على سقيهم. ولأنّهم إذا ظفروا بما يكون سقيا أرضهم ومواشيهم ، لم يعدموا سقياهم.
واعلم أنّ مساق هذه الآيات كما هو للدلالة على عظم القدرة ، فهو أيضا لتعداد أنواع النعمة.
(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) صرّفنا هذا القول بين الناس في القرآن ، وسائر الكتب والصحف الّتي أنزلت على الرسل. وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر.
وقيل : معناه : صرّفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة ، والأوقات المتغايرة ، وعلى الصفات المتفاوتة ، من وابل (١) وطلّ وديمة ، وأمثالها في القوّة والضعف.
وعن ابن عبّاس : ما عام أمطر من عام ، ولكنّ الله قسّم ذلك بين عباده على ما شاء.
وتلا هذه الآية.
وروي : أنّ الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كلّ عام. أو صرّفنا المطر في الأنهار والمنافع (٢) على سعة قدرتنا.
(لِيَذَّكَّرُوا) ليتفكّروا ويعرفوا كمال القدرة وحقّ النعمة في ذلك ، ويقوموا بشكره. أو ليعتبروا بالصرف عنهم وإليهم. وقرأ حمزة والكسائي بسكون الذال وضمّ الكاف مخفّفة.
(فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) إلّا كفران النعمة وقلّة الاكتراث لها. أو جحودها ، بأن يقولوا : مطرنا بنوء (٣) كذا ، ولا يذكروا صنع الله ورحمته. ومن لا يرى الأمطار إلّا من
__________________
(١) الوابل : المطر الشديد. والطلّ : المطر الضعيف. والديمة : مطر يدوم في سكون بلا رعد ولا برق.
(٢) المنافع جمع المنقع. وهو البحر ، أو الموضع يستنقع فيه الماء.
(٣) النوء : النجم ، المطر. كانت العرب في الجاهليّة إذا سقط من الأنواء نجم وطلع آخر قالوا :