وقال بعض الحنفيّة : إنّ طهورا فعول يفيد المبالغة في فائدة فاعل ، كما يقال : ضروب وأكول لزيادة الضرب والأكل ، ولا يفيد شيئا مغايرا له. فعلى هذا لا يكون بمعنى المطهّر ، لأنّ كونه مطهّرا مغاير لمعنى الطاهر ، فلا تتناوله المبالغة. ولأنّه قد يستعمل فيما لا يفيد التطهير ، كقوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) (١). وقول الشاعر : عذب الثنايا ريقهنّ طهور.
والحقّ أنّ التعدّي في الحقيقة لمطهّر ، وألحقوا طهورا به توقيفا. وتوصيف الماء به إشعار بالنعمة ، وتتميم للمنّة فيما بعده ، فإنّ الماء الطهور أهنأ وأنفع ممّا خالطه ما يزيل طهوريّته ، وتنبيه على أنّ ظواهرهم لمّا كانت ممّا ينبغي أن يطهّروها ، فبواطنهم بذلك أولى.
(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) بالنبات. وتذكير «ميتا» لأنّ البلدة في معنى البلد. ولأنّه غير جار على الفعل ، كفعول ومفعال ومفعيل ، وغيرها من أبنية المبالغة ، فأجري مجرى الجامد.
(وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) يعني : أهل البوادي الّذين يعيشون بالمطر ، ولذلك نكّر الأنعام والأناسيّ. وهو جمع إنسيّ أو إنسان. ونحوه ظرابي في ظربان. وهو دويبّة منتنة الريح. فقلبت النون ياء حين جمع.
ووصف بالكثرة ، لأنّ كثيرا منهم لا يعيشون إلّا بما ينزل الله من رحمته وسقيا سمائه. كأنّه قال : لنحيي به بعض البلاد الميتة ، ونسقيه بعض الأنعام والأناسيّ ، وذلك البعض كثير.
وأمّا تخصيص الأنعام من بين ما خلق من الحيوان الشارب ، لأنّ الطير والوحش تبعد في طلب الماء ، فلا يعوزها الشرب ، بخلاف الأنعام.
__________________
(١) الإنسان : ٢١.