وبعد ذكر كمال قدرته وأنواع نعمه ، أخبر عن الكفّار الّذين ـ مع ظهور قدرته الكاملة ، وصنوف نعمه المتكاثرة عندهم ـ يشركون به ، ويرتكبون أنواع المعاصي ، فقال : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ) من الأصنام ، أو كلّ ما عبد من دون الله تعالى ، إذ ما من مخلوق يستقلّ بالنفع والضرّ (وَكانَ الْكافِرُ) جنس الكافر.
وقيل : أبو جهل. (عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) مظاهرا للشيطان بالعداوة والشرك. أو مظاهرا لأبناء جنسه في إطفاء نور دين الله.
وفي الكشّاف : «الظهير والمظاهر ، كالعوين والمعاون. وفعيل بمعنى مفاعل غير عزيز. ومثله : الصديق والخليط. ويجوز أن يريد بالظهير الجماعة ، كقوله : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (١). وقيل. هيّنا مهينا لا وقع له عنده ، كالمطرح المتروك. من قولهم : ظهرت به إذا نبذته خلف ظهرك لا تلتفت إليه ، فيكون كقوله : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) (٢). ومنه : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) (٣)» (٤).
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) للمؤمنين (وَنَذِيراً) للكافرين (قُلْ) لهؤلاء الكفرة (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على تبليغ الرسالة الّذي يدلّ عليه «إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً» (مِنْ أَجْرٍ) تعطونيه (إِلَّا مَنْ شاءَ) إلّا فعل من شاء (أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أن يتقرّب به إليه ، أي : يطلب الزلفى عنده بالإيمان والطاعة البدنيّة والماليّة. فصوّر ذلك بصورة الأجر من حيث إنّه مقصود فعله. واستثناه منه قلعا لشبهة الطمع ، وإظهارا لغاية الشفقة ، حيث اعتدّ بإنفاعك ـ بالتعرّض للثواب ، والتخلّص عن العقاب ـ أجرا وافيا مرضيّا به مقصورا عليه.
__________________
(١) التحريم : ٤.
(٢) آل عمران : ٧٧.
(٣) هود : ٩٢.
(٤) الكشّاف ٣ : ٢٨٧.