وقيل : إنّ المشركين سألوه عن الروح الّذي هو القرآن ، كيف يلقاك به الملك؟
وكيف صار معجزا؟ وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب والأشعار؟ وقد سمّى الله القرآن روحا في قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً) (١). فقال سبحانه : قل يا محمّد إنّ الروح الّذي هو القرآن من أمر ربّي ، أي : من وحيه وكلامه ، ليس من كلام البشر ، ولا ممّا يدخل في إمكانهم.
(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) تستفيدونه بتوسّط حواسّكم ، فإنّ اكتساب العقل للمعارف النظريّة إنّما هو من الضروريّات المستفادة من إحساس الجزئيّات ، فلذلك قيل : من فقد حسّا فقد فقد علما ، وأكثر الأشياء لا يدركه الحسّ ، ولا شيئا من أحواله المعرّفة لذاته.
وهو إشارة إلى أنّ الروح ممّا لا يمكن معرفة ذاته إلّا بعوارض تميّزه عمّا يلتبس به. كما قيل : إنّه جسم رقيق هوائيّ متردّد في مخارق الحيوان. وهو مذهب أكثر المتكلّمين. واختاره علم الهدى قدس سرّه. أو جسم هوائيّ على بنية حيوانيّة ، في كلّ جزء منه حياة. أو الحياة الّتي يتهيّأ به المحلّ لوجود القدرة والعلم والاختيار. وهو مذهب الشيخ المفيد وجماعة من المعتزلة. وغير ذلك من الأقاويل الّتي لا يعلم بها كنهه ، فلذلك اقتصر على الجواب ، كما اقتصر موسى في جواب (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) بذكر بعض صفاته.
روي أنّه عليهالسلام لمّا قال لهم ذلك قالوا : أنحن مختصّون بهذا الخطاب؟ فقال : بل نحن وأنتم. فقالوا : ما أعجب شأنك! ساعة تقول : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٣). وساعة تقول هذا. فنزلت. وليس ما قالوه بلازم ، لأنّ القلّة والكثرة تدوران مع الإضافة ، فيوصف الشيء بالقلّة مضافا إلى ما فوقه ، وبالكثرة مضافا إلى ما تحته ،
__________________
(١) الشورى : ٥٢.
(٢) الشعراء : ٢٣.
(٣) البقرة : ٢٦٩.