(قُلْ) جوابا لشبهتهم (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ) كما يمشي بنو آدم (مُطْمَئِنِّينَ) ساكنين فيها (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) لتمكّنهم من الاجتماع به والتلقّي منه. وأمّا الإنس فعامّتهم عماة عن إدراك الملك والتلقّف منه ، فإنّ ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس.
إن قيل : إذا جاز أن يكون الرسول إلى النبيّ ملكا ليس من جنسه ، فلم لم يجز أن يكون الرسول إلى الناس أيضا ملكا ليس من جنسهم؟! قلنا : إنّ صاحب المعجزة قد اختير للنبوّة ، فصارت حاله مقاربة لحال الملك ، وليس كذلك غيره من الأمّة ، فيجوز أن يرى الملائكة كما يرى بعضهم بعضا ، بخلاف الأمّة. وأيضا فإنّ النبيّ يحتاج إلى معجزة تعرف بها رسالة نفسه ، كما احتاجت إليه الأمّة ، فجعل الله تعالى المعجزة رؤيته الملك.
و «ملكا» يحتمل أن يكون حالا من «رسولا» وأن يكون موصوفا به. وكذلك «بشرا». والأوّل أوفق.
(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) على أنّي رسول الله إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي. أو على أنّي بلّغت ما أرسلت به إليكم ، وأنّكم عاندتم. و «شهيدا» نصب على الحال أو التمييز. (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة ، فيجازيهم عليها. وفيه تسلية للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتهديد للكفّار.
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) توفيقا ولطفا (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) حقيقة (وَمَنْ يُضْلِلْ) تخلية وخذلانا (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) أنصارا يهدونه (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) يسحبون عليها ، كقوله تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (١). أو يمشون بها.
روي أنّه قيل لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كيف يمشون على وجوههم؟ قال : «إنّ الّذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم».
__________________
(١) القمر : ٤٨.