(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) تقديم الجارّ لإفادة الحصر ، أي : وما أنزلنا القرآن إلّا ملتبسا بالحقّ المقتضي لإنزاله. وكذلك قوله : (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) أي : ما نزل إلّا ملتبسا بالحقّ والحكمة ، لاشتماله على الهداية إلى كلّ خير.
وقيل : معناه : وما أنزلناه من السماء إلّا محفوظا بالرصد من الملائكة ، وما نزل على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا محفوظا بهم من تخليط الشيطان. ويحتمل أن يريد به نفي اعتراء البطلان له أوّل الأمر وآخره.
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) للمطيع بالثواب (وَنَذِيراً) للعاصي بالعقاب. فلا عليك ـ من إكراه على الدين أو نحو ذلك ـ إلّا التبشير والإنذار.
(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) منصوب بفعل يفسّره «فرقناه» ، أي : نزّلناه مفرّقا منجّما. وقيل : فرقنا فيه الحقّ من الباطل ، فحذف الجارّ ، كما في قوله : ويوما شهدناه. (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) على مهل وتؤدة وتثبّت ، فإنّه أيسر للحفظ وأعون في الفهم (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) على حسب الحوادث.
روي عن ابن عبّاس أنّه قال : لئن أقرأ سورة البقرة وأرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن جميعا.
وعن عبد الله بن مسعود أنّه قال : لا تقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث ، واقرأه في سبع.
(قُلْ آمِنُوا بِهِ) بالقرآن (أَوْ لا تُؤْمِنُوا) فإنّ إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالا ، وامتناعكم عنه لا يورّثه نقصانا. هذا أمر بالإعراض عنهم واحتقارهم والازدراء بشأنهم ، وأن لا يكترث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم عنه ، وإن لم يدخلوا في الايمان ولم يصدّقوا بالقرآن ، وهم أهل جاهليّة وشرك.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) تعليل له : أي : إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم ، وهم العلماء الّذين قرءوا الكتب السابقة ، وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوّة ، وتمكّنوا من الميز بين المحقّ والمبطل ، أو رأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك