(وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : قوّيناها بالصبر على هجر الأوطان والأهل والمال ، والفرار بالدين إلى بعض الغيران (١) ، وجسّرناهم على القيام بكلمة الحقّ والتظاهر بالإسلام (إِذْ قامُوا) بين يديه من غير مبالاة حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) والله لقد قلنا قولا ذا شطط ، أي : ذا بعد عن الحقّ مفرط في الظلم ، من : شطّ إذا بعد.
(هؤُلاءِ) مبتدأ (قَوْمُنَا) عطف بيان (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) خبره. وهو إخبار في معنى الإنكار. ثمّ بكّتوهم بقولهم : (لَوْ لا يَأْتُونَ) هلّا يأتون (عَلَيْهِمْ) على عبادتهم ، بحذف المضاف (بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) ببرهان ظاهر ، فإنّ الدين لا يؤخذ إلّا به.
وفيه دليل على أنّ ما لا دليل عليه من الديانات مردود ، وأن التقليد فيه غير جائز. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك إليه.
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) خطاب من بعضهم لبعض حين صمّمت عزيمتهم على الفرار بدينهم (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) عطف على الضمير المنصوب ، أي : وإذ اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلّا الله. ويجوز أن تكون «ما» مصدريّة على تقدير : وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلّا عبادة الله. وأن تكون نافية ، على أنّه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد ، معترض بين «إذ» وجوابه ، لتحقيق اعتزالهم. والاستثناء يجوز أن يكون متّصلا ، فإنّهم كانوا يعبدون الله ويعبدون الأصنام ، كسائر المشركين. ويجوز أن يكون منقطعا.
(فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ) يبسط الرزق لكم ويوسّع عليكم (مِنْ رَحْمَتِهِ) في الدارين (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) ما ترتفقون به ، أي : تنتفعون.
وجزمهم بذلك لخلوص يقينهم ، وقوّة وثوقهم بفضل الله.
وقرأ نافع وابن عامر : مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء. وهو مصدر جاء شاذّا ، كالمرجع والمحيض ، فإنّ قياسه الفتح.
__________________
(١) جمع الغار.