ثمّ بيّن سبحانه تنازعهم في عددهم ، فقال : (سَيَقُولُونَ) سيقول قوم من المختلفين في عددهم في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من أهل الكتاب والمؤمنين : (ثَلاثَةٌ) ثلاثة رجال (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) يربّعهم كلبهم بانضمامه إليهم. قيل : هو قول اليهود. وقيل : قول السيّد من نصارى نجران ، وكان يعقوبيّا. (وَيَقُولُونَ) ويقول آخرون : هم (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) قاله النصارى ، أو العاقب ، وكان نسطوريّا.
(رَجْماً بِالْغَيْبِ) يرمون رميا بالخبر الخفيّ الّذي لا مطلع لهم عليه ، كقوله : ويقذفون بالغيب ، أي : يأتون به. أو وضع الرجم موضع الظنّ ، فكأنّه قيل : ظنّا بالغيب ، لأنّهم أكثروا أن يقولوا : رجم بالظنّ ، مكان قولهم : ظنّ ، حتّى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين. وإنّما لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما يكون السين فيه.
(وَيَقُولُونَ) ويقول آخرون : هم (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) إنّما قاله المسلمون بإخبار الرسول لهم عن جبرئيل ، وإيماء الله إليه ، بأن أتبعه قوله : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) وأتبع الأوّلين قوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ).
وبأن أثبت العلم بهم لطائفة بعد ما حصر أقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة ، فإنّ عدم إيراد رابع في نحو هذا المحلّ دليل العدم ، مع أنّ الأصل ينفيه. ثمّ ردّ الأوّلين بأن أتبعهما قوله : «رجما بالغيب» ليتعيّن الثالث.
وبأن أدخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة ، تشبيها لها بالواقعة حالا من المعرفة ، لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أنّ اتّصافه بها أمر ثابت. ونظيره قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (١). ونحو قولك : جاءني رجل ومعه آخر ، ومررت بزيد وفي يده سيف.
وقال ابن عبّاس : حين وقعت الواو انقطعت العدّة ، أي : لم يبق بعدها عدّة عادّ يلتفت إليها ، وثبت أنّهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والثبات. ثمّ قال : وأنا من ذلك القليل.
__________________
(١) الحجر : ٤.