أحدهما : أنها عاطفة على جملة محذوفة ، قال ابن عطيّة : «تقديره : فلا تبال ، يا محمّد ، بسؤالهم ، وتشطيطهم ، فإنها عادتهم ، فقد سألوا موسى أكبر من ذلك.
والثاني : أنها جواب شرط مقدّر ، قاله الزمخشريّ أي : إن استكبرت ما سألوه منك ، فقد سألوا» ، و «أكبر» صفة لمحذوف ، أي : سؤالا أكبر من ذلك ، والجمهور : «أكبر» بالباء الموحدة ، والحسن (١) «أكثر» بالثاء المثلثة.
ومعنى «أكبر» أي : أعظم من ذلك ، يعنى : السّبعين الّذين خرج بهم [موسى](٢) إلى الجبل ، «فقالوا : أرنا الله جهرة» أي : عيانا ، فقولهم : «أرنا» جملة مفسّرة لكبر السّؤال ، وعظمه. [و «جهرة» تقدّم الكلام عليها ، إلا أنه هنا يجوز أن تكون «جهرة» من صفة القول ، أو السؤال ، أو من صفة السائلين ، أي : فقالوا مجاهرين ، أو : سألوا مجاهرين ، فيكون في محلّ نصب على الحال ، أو على المصدر ، وقرأ الجمهور «الصّاعقة». وقرأ النّخعيّ (٣) : «الصّعقة» وقد تقدّم تحقيقه في البقرة (٤) والباء في «بظلمهم» سببية ، وتتعلّق بالأخذ].
قوله : (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) يعنى : إلها ، (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) وهي الصّاعقة ، وسمّاها بيّنات ـ وإن كانت شيئا واحدا ؛ لأنها دالّة على قدرة الله ـ تعالى ـ ، وعلى علمه وعلى قدمه ، وعلى كونه مخالفا للأجسام والأعراض ، وعلى صدق موسى.
وقيل : «البيّنات» إنزال الصّاعقة وإحياؤهم بعد إماتتهم.
وقيل : المعجزات التي أظهرها لفرعون ، وهي العصا ، واليد البيضاء ، وفلق البحر ، وغيرها من المعجزات القاهرة (٥).
ثم قال : (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) ولم نستأصلهم.
قيل : هذا استدعاء إلى التّوبة ، معناه : أن أولئك الّذين أجرموا تابوا ، فعفونا عنهم ، فتوبوا أنتم حتى نعفو عنكم.
وقيل : معناه : أن قوم موسى ـ وإن كانوا قد بالغوا في اللّجاج والعناد ، لكنا (٦) نصرناه وقرّبناه فعظم أمره وضعف خصمه ، وفيه بشارة للرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ على سبيل التّنبيه والرّمز ، وهو أنّ هؤلاء الكفار وإن كانوا يعاندونه ـ فإنّه بالآخرة يستولي عليهم ويقهرهم.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٣١ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٠٢ ، والدر المصون ٢ / ٤٥٤.
(٢) سقط في ب.
(٣) وبها قرأ أبو عبد الرحمن السلمي كما في المحرر ٢ / ١٣١ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٠٢ ، والدر المصون ٢ / ٤٥٤.
(٤) آية : ٥٥.
(٥) في ب : الباهرة.
(٦) في ب : ولكن.