ثم قال [ـ تعالى ـ](١) : (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) أي : حجّة بيّنة ، وهي الآيات السّبع (٢).
قوله : (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ) [في «فوقهم» : وجهان ، أظهرهما أنه متعلق ب «رفعنا» ، وأجاز أبو البقاء (٣) وجها ثانيا وهو أن يكون متعلقا بمحذوف لأنه حال من الطور. و «بميثاقهم» متعلق أيضا بالرفع ، والباء للسببية ، قالوا : وفي الكلام حذف مضاف تقديره : بنقض ميثاقهم].
[و] قال بعض المفسّرين (٤) : إنهم امتنعوا من قبول شريعة التّوراة ، ورفع الله الجبل فوقهم حتّى قبلوا ، والمعنى : ورفعنا فوقهم الطّور ؛ لأجل أن يعطوا الميثاق بقبول الدّين.
وقال الزمخشريّ : «بميثاقهم : بسبب ميثاقهم ؛ ليخافوا فلا ينقضوه» وظاهر هذه العبارة : أنه لا يحتاج إلى حذف مضاف ، بل أقول : لا يجوز تقدير هذا المضاف ؛ لأنه يقتضي أنهم نقضوا الميثاق ، فرفع الله الطّور عليهم ؛ عقوبة على فعلهم النقض ، والقصة تقتضي أنّهم همّوا بنقض الميثاق ، فرفع الله عليهم الطور ، فخافوا فلم ينقضوه ، [وإن كانوا قد نقضوه] بعد ذلك ، وقد صرّح أبو البقاء (٥) بأنهم نقضوا الميثاق ، وأنه تعالى رفع الطّور عقوبة لهم فقال : «تقديره : بنقض ميثاقهم ، والمعنى : ورفعنا فوقهم الطّور ؛ تخويفا لهم بسبب نقضهم الميثاق» ، وفيه ذلك النظر المتقدّم ، ولقائل أن يقول : لمّا همّوا بنقضه وقاربوه ، صحّ أن يقال : رفعنا الطّور فوقهم ؛ لنقضهم الميثاق ، أي : لمقاربتهم نقضه ، لأنّ ما قارب الشيء أعطي حكمه ؛ فتصحّ عبارة من قدّر مضافا ؛ كأبي البقاء وغيره.
وقال بعض المفسّرين (٦) : إنّهم أعطوا الميثاق على أنهم إن همّوا بالرّجوع عن الدّين ، فالله ـ تعالى ـ يعذّبهم بأيّ أنواع العذاب ، أراد : فلمّا همّوا بترك الدّين ، أظلّ الله الطّور عليهم. والميثاق مصدر مضاف لمفعوله ، وقد تقدّم في البقرة الكلام على قوله (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) ، و «سجّدا» حال من فاعل «ادخلوا».
قوله : «لا تعدوا» قرأ الجمهور : «تعدوا» بسكون العين ، وتخفيف الدال من عدا يعدو ، كغزا يغزو ، والأصل : «تعدووا» بواوين : الأولى لام الكلمة والثانية ضمير الفاعلين ، فاستثقلت الضمة على لام الكلمة ، فحذفت ، فالتقى بحذفها ساكنان ، فحذف الأوّل ، وهو الواو الأولى ، وبقيت واو الفاعلين ، فوزنه : تفعوا ومعناه : لا تعتدوا ولا تظلموا باصطياد الحيتان فيه.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ف ب : التسع.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٠.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧٦.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٠.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧٦.