قال الواحدي (١) : يقال : عدا عليه أشدّ العداء [والعدو](٢) والعدوان ، أي : ظلمه ، وجاوز الحدّ ؛ ومنه قوله : (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : ١٠٨] وقيل : (لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) من العدو بمعنى الحضر ، والمراد به النّهي عن العمل والكسب يوم السّبت ؛ كأنه قيل : اسكنوا (٣) عن العمل في هذا اليوم واقعدوا في منازلكم [فأنا الرزّاق]. وقرأ نافع (٤) بفتح العين وتشديد الدال ، إلا أن الرواة اختلفوا عن قالون عن نافع : فرووا عنه تارة بسكون العين سكونا محضا ، وتارة إخفاء فتحة العين ، فأما قراءة نافع ، فأصلها : تعتدوا ، ويدلّ على ذلك إجماعهم على : (اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) [البقرة : ٦٥] كونه من الاعتداء ، وهو افتعال من العدوان ، فأريد إدغام تاء الافتعال في الدال ، فنقلت حركتها إلى العين ، وقلبت دالا وأدغمت. وهذه قراءة واضحة ، وأما ما يروى عن قالون من السكون المحض ، فشيء لا يراه النحويّون ؛ لأنه جمع بين ساكنين على غير حدّهما ، وأمّا الاختلاس فهو قريب للإتيان بحركة ما ، وإن كانت خفيّة ، إلا أنّ الفتحة ضعيفة في نفسها ، فلا ينبغي أن تخفى لتزاد ضعفا ؛ ولذلك لم يجز القراء رومها وقفا لضعفها ، وقرأ (٥) الأعمش : «تعتدوا» بالأصل الذي أدغمه نافع.
ثم قال (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) قال القفال (٦) : الميثاق الغليظ : هو العهد المؤكّد غاية التّوكيد.
قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) : في «ما» هذه وجهان :
أحدهما : أنها زائدة بين الجارّ ومجروره تأكيدا.
والثاني : أنها نكرة تامّة ، و «نقضهم» بدل منه ، وهذا كما تقدّم في [قوله] (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩]. و «نقض» مصدر مضاف لفاعله ، و «ميثاقهم» مفعوله ، وفي متعلّق الباء الجارة ل «ما» هذه وجهان :
أحدهما : أنه «حرّمنا» المتأخّر في قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا)(٧) وعلى هذا ، فيقال : «فبظلم» متعلّق ب «حرّمنا» أيضا ، فيلزم أن يتعلق حرفا جرّ متحدان لفظا ومعنى بعامل واحد ؛ وذلك لا يجوز إلا مع العطف أو البدل ، وأجابوا عنه بأن قوله «فبظلم» بدل من قوله «فبما» بإعادة العامل ، فيقال : لو كان بدلا لما دخلت عليه فاء
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧٦.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : اسكتوا.
(٤) ينظر : السبعة ٢٤٠ ، والحجة ٣ / ١٩٠ ، وحجة القراءات ٢١٨ ، والعنوان ٨٦ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٩ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٢١ ، ٢٢٢ ، وشرح شعلة ٣٤٦ ، وإتحاف ١ / ٥٢٤.
(٥) وقرأ بها الحسن كما في المحرر الوجيز ٢ / ١٣٢ ، وقرأ بها الأخفش كما في البحر ٣ / ٤٠٣ ، وينظر : الدر المصون ٢ / ٤٥٥.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧٧.
(٧) في الآية : ٦٠.