العطف ؛ لأن البدل تابع بنفسه من غير توسّط حرف عطف ، وأجيب عنه بأنه لمّا طال الكلام بين البدل والمبدل منه ، أعاد الفاء للطّول ، ذكر ذلك أبو البقاء (١) والزّجّاج (٢) والزمخشريّ وأبو بكر وغيرهم.
وردّه أبو حيان (٣) بما معناه أنّ ذلك لا يجوز لطول الفصل بين المبدل والبدل ، وبأنّ المعطوف على السبب سبب ، فيلزم تأخّر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم في الوقت عن وقت التحريم ؛ فلا يمكن أن يكون سببا أو جزء سبب إلا بتأويل بعيد ، وذلك أن قولهم : «إنّا قتلنا المسيح» وقولهم على مريم البهتان إنما كان بعد تحريم الطيبات ، قال : «فالأولى أن يكون التقدير : لعنّاهم ، وقد جاء مصرّحا به في قوله : فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم».
والثاني : أنه متعلق بمحذوف ، فقدّره ابن عطيّة : لعنّاهم وأذللناهم وختمنا على قلوبهم ، قال : «وحذف جواب مثل هذا الكلام بليغ» ، وتسمية مثل هذا «جواب» غير معروف لغة وصناعة ، وقدّره أبو البقاء (٤) : «فبما نقضهم ميثاقهم طبع على قلوبهم ، أو لعنوا ، وقيل : تقديره : فبما نقضهم لا يؤمنون ، والفاء زائدة». [أي : في قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً)]. انتهى. وهذا الذي أجازه أبو البقاء تعرّض له الزمخشريّ ، وردّه ، فقال : «فإن قلت: فهلّا زعمت أنّ المحذوف الذي تعلّقت به الباء ما دلّ عليه قوله «بل طبع الله ، فيكون التقدير : فبما نقضهم طبع الله على قلوبهم ، بل طبع الله عليها بكفرهم قلت : لم يصحّ لأن قوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) ردّ وإنكار لقولهم : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) ، «فكان متعلقا به» ، قال أبو حيان (٥) : «وهو جواب حسن ، ويمتنع من وجه آخر ، وهو أنّ العطف ب «بل» للإضراب ، والإضراب إبطال ، أو انتقال ، وفي كتاب الله في الإخبار لا يكون إلا للانتقال ، ويستفاد من الجملة الثانية ما لا يستفاد من الأولى ، والذي قدّره الزمخشريّ لا يسوغ فيه الذي قرّرناه ؛ لأنّ قوله: فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها [هو مدلول الجملة التي صحبتها «بل» ، فأفادت الثانية ما أفادت الأولى ، ولو قلت : مرّ زيد بعمرو ، بل مرّ زيد بعمرو ، لم يجز». وقدّره الزمخشري : فعلنا بهم ما فعلنا ، وتقدّم الكلام على الكفر بآيات الله ، وقتلهم الأنبياء بغير حقّ في البقرة.
وأمّا قولهم : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع غلاف ، والأصل «غلف» بتحريك اللّام ، وخفّف كما قيل بالتّسكين ؛ ككتب ورسل بتسكين التاء والسّين والمعنى على هذا : أنهم قالوا :
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٠.
(٢) ينظر : معاني القرآن ١ / ١٣٩.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٠٤.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٠.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٠٤.