قلوبنا غلف ، أي : أوعية للعلم ، فلا حاجة بنا (١) إلى علم سوى ما عندنا ، فكذّبوا الأنبياء بهذا القول.
وقيل : إن غلفا جمع أغلف (٢) وهو المغطّى بالغلاف ، أي : بالغطاء ، والمعنى على هذا : أنّهم قالوا : قلوبنا في أغطية ، [فهي](٣) لا تفقه ما تقولون ؛ نظيره قولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥].
قوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها) هذا إضراب عن الكلام المتقدّم ، أي : ليس الأمر كما قالوا من قولهم : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) ، وأظهر القرّاء لام بل في «طبع» إلا الكسائي (٤) ، فأدغم من غير خلاف ، وعن حمزة خلاف ، والباء في «بكفرهم» يحتمل أن تكون للسببية ، وأن تكون للآلة ؛ كالباء في «طبعت بالطّين على الكيس» يعني أنه جعل الكفر كالشيء المطبوع به ، أي : مغطّيا عليها ، فيكون كالطابع ، وقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) يحتمل النصب على نعت مصدر محذوف ، أي : إلا إيمانا قليلا وهو إيمانهم بموسى والتّوراة فقط ، وقد تقدم أن الإيمان بالبعض دون البعض كفر ، ويحتمل كونه نعتا لزمان محذوف ، أي : زمانا قليلا ، ولا يجوز أن يكون منصوبا على الاستثناء من فاعل «يؤمنون» أي : إلّا قليلا منهم فإنّهم يؤمنون ؛ لأنّ الضّمير في «لا (يُؤْمِنُونَ) عائد على المطبوع على قلوبهم ، ومن طبع على قلبه بالكفر ، فلا يقع منه الإيمان.
[والجواب أنّه من إسناد ما للبعض للكلّ ، أي : في قوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) فتأمّل](٥).
وقال البغوي (٦) : (إِلَّا قَلِيلاً) يعني : ممّن كذّب الرّسل [لا](٧) من طبع (٨) على قلبه ؛ لأنّ من طبع الله على قلبه ، لا يؤمن أبدا ، وأراد بالقليل : عبد الله بن سلام وأصحابه.
قوله : «وبكفرهم» : فيه وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على «ما» في قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ) فيكون متعلّقا بما تعلّق به الأول.
الثاني : أنه عطف على «بكفرهم» الذي بعد «طبع» ، وقد أوضح الزمخشريّ ذلك غاية الإيضاح ، واعترض وأجاب بأحسن جواب ، فقال : «فإن قلت : علام عطف قوله «وبكفرهم»؟ قلت : الوجه أن يعطف على (فَبِما نَقْضِهِمْ) ، ويجعل قوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها
__________________
(١) في ب : لنا.
(٢) في أ : أغلفة.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : السبعة ١٢٣.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٩٦.
(٧) سقط في ب.
(٨) في ب : يطبع.