__________________
ـ (ثالثا) : أن ابن عباس نفسه ، قد استفاض عنه أنه قرأ : «وقضى» وذلك دليل على أن ما نسب إليه من تلك الروايات من الدسائس الرخيصة التي لفّقها أعداء الإسلام. قال أبو حيان في البحر : والمتواتر هو «وقضى». وهو المستفيض عن ابن عباس والحسن وقتادة ، بمعنى أمر. وقال ابن مسعود وأصحابه بمعنى «وصّى» ا ه إذن رواية «وقضى» هي التي انعقد الإجماع عليها من ابن عباس ، وابن مسعود ، وغيرهما. فلا يتعلق بأذيال مثل هذه الرواية الساقطة إلا ملحد ، ولا يرفع عقيرته بها إلا عدوّ من أعداء الإسلام.
الشبهة السادسة :
يقولون : إن ابن عباس روي عنه أيضا أنه كان يقرأ : «ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء» ويقول : خذوا هذه الواو ، واجعلوها في (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ : إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) وروي عنه أيضا أنه قال : انزعوا هذه الواو ، واجعلوها في (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ).
ونجيب (أولا) بأن هذه الروايات ضعيفة ؛ لم يصح شيء منها عن ابن عباس.
(ثانيا) أنها معارضة للقراءة المتواترة المجمع عليها ، فهي ساقطة.
(ثالثا) أن بلاغة القرآن قاضية بوجود الواو لا بحذفها ، لأن ابن عباس نفسه فسر الفرقان في الآية المذكورة بالنصر ، وعليه يكون الضياء بمعنى التوراة أو الشريعة ، فالمقام للواو لأجل هذا التغاير.
الشبهة السابعة :
يقولون : روي عن ابن عباس في قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) أنه قال : هي خطأ من الكاتب. وهو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة. إنما هي : «مثل نور المؤمن كمشكاة».
ونجيب (أولا) بأنها رواية معارضة للقاطع المتواتر ، فهي ساقطة.
(ثانيا) أنه لم ينقل عن أحد من القراء أن ابن عباس قرأ : مثل نور المؤمن ، فكيف يقرأ رضي الله عنه بما يعتقد أنه خطأ ، ويترك ما يعتقد أنه صواب؟ ألا إنها كذبة مفضوحة! ولو أنهم نسبوها لأبيّ بن كعب ، لكان الأمر أهون ، لأنه روي في الشواذ أن ابن كعب قرأ : مثل نور المؤمن. والذي ينبغي أن تحمل عليه هذه الروايات أن أبيا رضي الله عنه أراد تفسير الضمير في القراءة المعروفة المتواترة وهي مثل نوره. فهي روايات عنه في التفسير لا في القراءة ، بدليل أنه كان يقرأ : (مَثَلُ نُورِهِ).
دفع عام عن ابن عباس :
كل ما روي عن ابن عباس في تلك الشبهات ، يمكن دفعه دفعا عاما بأن ابن عباس قد أخذ القرآن عن زيد بن ثابت وأبيّ بن كعب ، وهما كانا في جمع المصاحف. وزيد بن ثابت كان في جمع أبي بكر أيضا. وكان كاتب الوحي ، وكان يكتب ما يكتب بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم وإقراره. وابن عباس كان يعرف ذلك ويوقن به ، فمحال إذن أن ينطق لسانه بكلمة تحمل رائحة اعتراض على جمع القرآن ورسم القرآن! وإلا فكيف يأخذ عن زيد وابن كعب ثم يعترض على جمعهما ورسمهما؟.
الشبهة الثامنة :
يقولون : روي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : سألت عائشة عن لحن القرآن ، عن قوله تعالى : إِنْ هذانِ لَساحِرانِ وعن قوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) وعن قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ). فقالت : يا بن أخي هذا من عمل الكتّاب ، قد أخطأوا في الكتاب. قال السيوطي في هذا الخبر : إسناده صحيح على شرط الشيخين. ويقولون أيضا : روي عن أبي خلف مولى بني جمح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة فقال : جئت أسألك عن آية في كتاب الله ، كيف كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرؤها؟ قالت : أيّة آية؟ قال : (الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) أوالذين يأتون ما أتوا. قالت : أيهما أحبّ إليك؟ قلت والذي نفسي بيده لإحداهما أحبّ إليّ من الدّنيا جميعا. قالت : ـ