وقالوا : وأيضا فهي في مصحف ابن مسعود بالواو فقط نقله الفراء ، وفي مصحف
__________________
ـ في اللغة العربية ، فالنصب مخرّج على المدح ، والتقدير «وأمدح المقيمين الصلاة». والرفع مخرّج على العطف ، والمعطوف عليه مرفوع كما ترى.
يقولون : ألا يكفي في الطعن على جمع القرآن ورسمه ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا) أنه قال : إن الكاتب أخطأ والصواب : «حتى تستأذنوا».
ونجيب (أولا) بما أجاب به أبو حيان إذ يقول ما نصه : إن من روى عن ابن عباس أنه قال ذلك. فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين ، وابن عباس بريء من ذلك القول ا ه.
(ثانيا) : بما أخرجه ابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه فسّر «تستأنسوا» فقال : أي تستأذنوا من يملك الإذن من أصحابها يعني أصحاب البيوت.
(ثالثا) أن القراء لم يرووا غير قراءة «تستأنسوا» فلو كان ذاك النقل صحيحا عن ابن عباس لنقلوا عنه أنه قرأ «تستأذنوا».
(رابعا) إذا سلمنا للحاكم أن هذا الخبر صحيح عن ابن عباس ، فإننا نرده برغم دعوى هذه الصحة ، لأنه معارض للقاطع المتواتر وهو قراءة «تستأنسوا». والقاعدة أن معارض القاطع ساقط ، وأن الرواية متى خالفت رسم المصحف فهي شاذّة لا يلتفت إليها ولا يعوّل عليها.
يقولون : ألا يكفي في الطعن على جمع القرآن ورسمه ، ما روي عن ابن عباس أيضا أنه قرأ : «أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا». فقيل له : إنها في المصحف (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) فقال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس.
ونجيب : بأنه لم يصح ذلك عن ابن عباس. قال أبو حيان : بل هو قول ملحد زنديق. وقال الزمخشري : ونحن ممن لا يصدق هذا في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وكيف يخفى هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام (أي المصحف الإمام) وهو مصحف عثمان ، وكان متقلبا بين أيدي أولئك الأعلام ، المحتاطين لدين الله المهيمنين عليه ، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه ، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع ، والقاعدة التي أقيم عليها البناء؟ هذا والله فرية ، ما فيها مرية ا ه. وقال الفراء : لا يتلى إلا كما أنزل : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ) ا ه. وعلى ذلك تكون رواية ذلك في الدر المنثور وغيره عن ابن عباس رواية غير صحيحة. ومعنى (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) : أفلم يعلموا. قال القاسم بن معن : هي لغة هوازن. وجاء بها الشعر العربي في قول القائل :
«أقول لهم بالشّعب إذ يأسرونني |
|
ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم» |
أي ألم تعملوا.
يقولون : من وجوه الطعن أيضا ما روي عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) إنما ه ي «ووصى ربك» التزقت الواو بالصاد. وكان يقرأ : ووصى ربك ، ويقول : أمر ربّك ، إنهما واوان التصقت إحداهما بالصاد. وروي عنه أنه قال : أنزل الله هذا الحرف على لسان نبيكم : ووصى ربك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه. فلصقت إحدى الواوين بالصاد ، فقرأ الناس : «وقضى ربّك» ولو نزلت على القضاء ما أشرك أحد.
ونجيب عن ذلك كله (أولا) بما أجاب به ابن الأنباري إذ يقول : «إن هذه الروايات ضعيفة».
(ثانيا) : أن هذه الروايات معارضة للمتواتر القاطع ؛ وهو قراءة «وقضى» ومعارض القاطع ساقط. ـ