تغيّره ، فقال : دعوه ؛ فإنّه لا يحلّ حراما ، ولا يحرّم حلالا.
__________________
ـ ويقولون : روي عن عكرمة أنه قال : «لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان ، فوجد فيها حروفا من اللحن ، فقال : لا تغيّروها فإن العرب ستغيرها ، أو قال : ستعربها بألسنتها ، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف».
قال الشيخ الزرقاني : أورد أعداء الإسلام هاتين الروايتين ، وقالوا : إنهما طعنان صريحان في رسم المصحف ، فكيف يكون مصحف عثمان وجمعه للقرآن ، موضع ثقة ، وإجماع من الصحابة؟ وكيف يكون توقيفا؟ وهذا عثمان نفسه يقول بملء فيه : «إن فيه لحنا».
ونجيب على هذه الشبهة أولا : بأن ما جاء في هاتين الروايتين ضعيف الإسناد ، وأن فيهما اضطرابا وانقطاعا. قال العلامة الألوسي في تفسيره : «إن ذلك لم يصح عن عثمان أصلا» ا ه ولعلك تلمح معي دليل سقوط هاتين الروايتين ماثلا فيهما من جراء هذا التناقض الظاهر بين وصفهما نسّاخ المصحف بأنهم أحسنوا وأجملوا ، ووصفهما المصحف الذي نسخوه بأن فيه لحنا ، وهل يقال للذين لحنوا في المصحف : أحسنتم وأجملتم؟
اللهم إلا إذا كان المراد معنى آخر.
ثانيا : أن المعروف عن عثمان في دقته ، وكمال ضبطه ، وتحرّيه ـ يجعل صدور أمثال هاتين الروايتين من المستحيل عليه ، انظر إلى ما سبق من دستوره في جمع القرآن. ثم انظر إلى ما أخرجه أبو عبيد عن عبد الرحمن بن هانىء مولى عثمان قال : كنت عند عثمان ، وهم يعرضون المصاحف ، فأرسلني بكتف شاة إلى أبيّ بن كعب فيه ا «لم يتسن» ، وفيه ا «لا تبديل للخلق» وفيه ا «فأمهل الكافرين» فدعا بدواة فمحا أحد اللامين ، وكتب (لِخَلْقِ اللهِ) ، ومحا «فأمهل» وكتب «فمهل» وكتب (لَمْ يَتَسَنَّهْ) فألحق فيها الهاء.
قال ابن الأنباري : فكيف يدعى عليه أنه رأى فسادا فأمضاه؟ وهو يوقف على ما يكتب ، ويرفع الخلاف الواقع من الناسخين فيه ، فيحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده ا ه.
ثالثا : على فرض صحة ما ذكر يمكن أن نؤوله بما يتفق والصحيح المتواتر عن عثمان في نسخ المصاحف وجمع القرآن ، ومن نهاية التثبت والدقة والضبط.
وذلك بأن يراد بكلمة «لحنا» في الروايتين المذكورتين قراءة ولغة ، والمعنى : أن في القرآن ورسم مصحفه وجها في القراءة لا تلين به ألسنة العرب جميعا ، ولكنها لا تلبث أن تلين به ألسنتهم جميعا بالمران ، وكثرة تلاوة القرآن بهذا الوجه ، وقد ضرب بعض أجلاء العلماء لذلك مثلا كلمة (الصراط) بالصاد المبدلة من السين فتقرأ العرب بالصاد عملا بالرسم.
وهناك شبهة ثانية :
يقولون : روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) ويقول «هو من لحن الكتّاب».
والجواب : أن ابن جبير لا يريد بكلمة «لحن» الخطأ إنما يريد بها اللغة ، والوجه في القراءة على حد قوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) والدليل على هذا التوجيه : أن سعيد بن جبير نفسه كان يقرأ :
«وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ» ، فلو كان يريد باللحن الخطأ ما رضي لنفسه هذه القراءة. وكيف يرضى ما يعتقد أنه خطأ؟.
وهذه الكلمة في آية من سورة النساء ونصها : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ، وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ ، وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) فكلمة (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) قرأها الجمهور بالياء منصوبا كما ترى. وقرأها جماعة بالواو ، منهم أبو عمرو في رواية يونس وهارون عنه. ولكل من القراءتين وجه صحيح فصيح ـ