أن يقول : قال قولا فكذا لمّا قال : «تكليما» وجب أن يكون كلاما على الحقيقة.
ومعنى الآية : أنّ الله ـ تعالى ـ ذكر هؤلاء الأنبياء والرّسل [وخص موسى](١) بالتكليم
معه ولم يلزم من تخصيص موسى عليهالسلام بهذا التّشريف ، الطّعن في نبوة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ، فكذلك لا يلزم من إنزال التّوراة دفعة واحدة الطّعن فيمن أنزل عليه الكتاب مفصّلا.
وقرأ إبراهيم (٢) ويحيى بن وثّاب : بنصب الجلالة.
وقال بعضهم : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (٣) معناه : وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن ، وهذا تفسير باطل.
وقد جاء التأكيد بالمصدر في ترشيح المجاز ؛ كقول هند بنت النعمان بن بشير في زوجها روح بن زنباع وزير عبد الملك بن مروان : [الطويل]
١٩٠٩ ـ بكى الخزّ من روح وأنكر جلده |
|
وعجّت عجيجا من جذام المطارف (٤) |
تقول : إنّ زوجها روحا قد بكى ثياب الخزّ من لبسه ؛ لأنه ليس من أهل الخزّ ، وكذلك صرخت صراخا من جذام ـ وهي قبيلة روح ـ ثياب المطارف ، تعني : أنهم ليسوا من أهل تلك الثياب ، فقولها : «عجّت المطارف» مجاز ؛ لأن الثياب لا تعجّ ، ثم رشحته بقولها عجيجا ، وقال ثعلب : لو لا التأكيد بالمصدر ، لجاز أن يكون كما تقول : «كلّمت لك فلانا» ، أي : أرسلت إليه ، أو كتبت له رقعة.
قوله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ) : فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه بدل من «رسلا» الأول في قراءة الجمهور ، وعبّر الزمخشريّ عن هذا بنصبه على التكرير ، كذا فهم عنه أبو حيان.
الثاني : أنه منصوب على الحال الموطّئة ؛ كقولك : «مررت بزيد رجلا صالحا» ، ومعنى الموطّئة ، أي : أنّها ليست مقصودة ، إنما المقصود صفتها ؛ ألا ترى أن الرجوليّة مفهومة من قولك «بزيد» ، وإنما المقصود وصفه بالصلاحية.
الثالث : أنه نصب بإضمار فعل ، أي : أرسلنا رسلا.
__________________
ـ ينظر إصلاح المنطق ص ٥٧ ، ٣٤٢ والإنصاف ص ١٣٠ وأمالي المرتضى ٢ / ٣٠٩ وتخليص الشواهد ص ١١١ وجواهر الأدب ص ١٥١ والخصائص ١ / ٢٣ ورصف المباني ص ٣٦٢ وسمط اللآلىء ص ٤٧٥ وشرح الأشموني ١ / ٥٧ وشرح المفصل ١ / ٨٢ ، ٢ / ١٣١ ، ٣ / ١٢٥ واللسان (قطط) والمقاصد النحوية ١ / ٣٦١ ومجالس ثعلب ص ١٨٩.
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٣٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٤١٤ ، والدر المصون ٢ / ٤٦٦.
(٣) سقط في أ.
(٤) تقدم.