وأمّا وقفهم عليه بالياء فلا يجوز ؛ إذ لا يوقف على المضاف دون المضاف إليه.
وإن وقف واقف فإنّما يكون بقطع نفس واختيار.
على أنّه يمكن توجبه كتابته بالياء والوقف عليه بها ، وهو أن لغة «الأزد» (١) يقفون فيها على «بزيد ، بزيدي» بإبدال التّنوين ياء ، فكتب «محلّي» على الوقف على هذه اللّغة ـ بالياء ، وهذا توجيه شذوذ رسميّ ، ورسم المصحف ممّا لا يقاس عليه ، انتهى.
قال شهاب الدين : وهذا الذي ذكره ، وأجازه ، وغلّط النّاس فيه ليس بشيء ، وما ذكره من توجيه ثبوت الياء خطّا ووقفا ، فخطأ محض ؛ لأنه على تقدير تسليم ذلك في تلك اللّغة ، فأين التنوين الذي في «محلّ»؟ وكيف يكون فيه تنوين ، وهو مضاف حتّى يقول : إنّه قد يوجّه بلغة «الأزد»؟
وما ذكره من كونه يحتمل ممّا يكونون قد كتبوه كما كتبوا تلك الأمثلة المذكورة ، فشيء لا يعوّل عليه ؛ لأنّ خطّ المصحف سنّة متبعة لا يقاس عليها ، فكيف يقول : يحتمل أن يقاس هذا على تلك الأشياء؟
وأيضا فإنهم لم يعربوا [غير](٢) إلّا حالا ، حتّى نقل بعضهم الإجماع على ذلك.
وإنما اختلفوا في صاحب الحال ، فقوله : إنه استثناء ثان مع هذه الأوجه الضّعيفة خرق للإجماع إلا ما تقدّم نقله عن بعضهم من أنّه استثناء ثان (٣) ، وعزاه للبصريين (٤) ، لكن لا على هذا المدرك الذي ذكره الشيخ.
وقديما وحديثا استشكل النّاس هذه الآية.
وقال ابن عطيّة : وقد خلط (٥) الناس في هذا الموضع في نصب «غير» وقدّروا تقديمات وتأخيرات ، وذلك كلّه غير مرض ؛ لأنّ الكلام على اطّراده ، فيمكن استثناء بعد استثناء.
وهذه الآية ممّا اتضح للفصحاء (٦) والبلغاء فصاحتها وبلاغتها ، حتى يحكى أنّه قيل للكنديّ : أيّها الحكيم ، اعمل لنا مثل هذا القرآن ، فقال : نعم أعمل لكم مثل بعضه ، فاحتجب أيّاما كثيرة ، ثمّ خرج فقال : والله لا يقدر أحد على ذلك ، إنّني فتحت [سورة](٧) من المصحف فخرجت (٨) سورة «المائدة» ، فإذا هو قد نطق بالوفاء ، ونهى عن النّكث ، وحلّل تحليلا عامّا ، ثم استثنى استثناء بعد استثناء ، ثمّ أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين.
__________________
(١) في أ : الأردء.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : بأن.
(٤) في أ : بعض البصريين.
(٥) في ب : غلط.
(٦) في ب : تعرف الفصحاء.
(٧) سقط في ب.
(٨) في أ : فخرج.