قال أبو عبيدة : حدثنا حجّاج عن هارون ، قال : قرأ ابن مسعود فذكرها قال : وهذا لا يكون إلّا على استئناف الصّدّ ، يعني إن وقع صدّ آخر ، مثل ما تقدّم في عام «الحديبية».
ونظم هذه الآيات على ما هي عليه من أبلغ ما يكون وأفصحه ، وليس فيها تقديم ولا تأخير كما زعم بعضهم ، فقال : أصل تركيب الآية الأولى (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) فإذا حللتم فاصطادوا.
وأصل تركيب الثّانية : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ).
ونظّره (١) بآية البقرة يعني : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) ، وهذا لا حاجة إليه مع أنّ التقديم والتّأخير عند الجمهور من ضرائر الشّعر ، فيجب تنزيه (٢) القرآن عنه ، وليست الجملة ـ أيضا ـ من قوله : «فإذا (حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) معترضة بين قوله : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) وبين قوله: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) ، بل هي مؤسّسة ومنشئة حكما ، وهو حلّ الاصطياد عند التّحلّل من الإحرام ، والجملة المعترضة إنّما تفيد توكيدا وتسديدا ، وهذه مفيدة حكما جديدا كما تقدم.
وقوله : (أَنْ تَعْتَدُوا) قد تقدم أنّه من متعلقات (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) على أنّه مفعول ثان ، أو على حذف حرف الجر ، فمن كسر (أَنْ صَدُّوكُمْ) يكون الشرط وجوابه المقدّر في محلّ جرّ صفة ل «قوم» ، أي : شنآن قوم هذه صفتهم ومن فتحها فمحلّها (٣) الجرّ والنّصب ، لأنّها على حذف لام العلّة كما تقدم.
قال الزّمخشريّ : والمعنى : ولا يكسبنّكم بغض قوم ؛ لأنّ صدوكم الاعتداء ولا يحملنكم عليه.
قال أبو حيّان : وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ؛ لأنّه يمتنع أن يكون مدلول «جرم» حمل وكسب في استعمال واحد لاختلاف مقتضاهما ، فيمتنع أن يكون [أن تعتدوا](٤) في محلّ مفعول به ، ومحلّ مفعول على إسقاط حرف الجر.
قال شهاب الدّين : هذا الذي قاله لا يتصوّر أن يتوهمه من له أدنى بصر بالصّناعة حتى ينبّه عليه.
وقد تقدم قراءة (٥) البزّي في نحو : (وَلا تَعاوَنُوا) وأنّ الأصل : [«تتعاونوا»
__________________
(١) في أ : ونظيره.
(٢) في أ : أن ينزه.
(٣) في أ : فحكمها.
(٤) في أ : تعدوا.
(٥) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٨٥ ، وإتحاف ١ / ٥٢٩.