عن البيت الحرام كان قد وقع ، ونزول هذه الآية متأخر عنه بمدّة ، فإنّ الصّدّ وقع عام «الحديبية» وهي سنة ستّ ، والآية نزلت سنة ثمان.
وأيضا ، فإنّ «مكّة» كانت عام الفتح في أيديهم ، فكيف يصدّون عنها.
قال ابن جريج والنّحاس وغيرهما : هذه القراءة (١) منكرة ، واحتجّوا بما تقدّم من الإشكال.
قال شهاب الدّين رحمهالله : ولا إشكال في ذلك ، والجواب عمّا قالوه من وجهين :
أحدهما : ألّا نسلم أن الصّدّ كان قبل نزول الآية ؛ فإنّ نزولها عام الفتح ليس مجمعا عليه.
وذكر اليزيديّ أنّها نزلت قبل الصّدّ ، فصاد الصدّ أمرا منتظرا.
والثاني : أنّه وإن سلّمنا أنّ الصّدّ [كان متقدّما على نزولها ، فيكون المعنى : إن وقع صدّ مثل ذلك الصدّ](٢) الذي وقع زمن «الحديبية» «فلا يجرمنكم».
قال مكّي : ومثله عند سيبويه قول الفرزدق : [الطويل]
١٩٢٣ ـ أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا |
|
................. (٣) |
[وذلك شيء قد كان وقع ، وإنما معناه :](٤) إن وقع مثل ذلك الغضب (٥) ، وجواب الشّرط ما قبله ، يعني : وجواب الشرط ما دلّ عليه ما قبله ؛ لأنّ البصريّين يمنعون تقديم الجواب إلّا أبا زيد.
وقال مكّي ـ أيضا ـ : ونظير ذلك أن يقول الرجل لامرأته : أنت طالق إن دخلت الدّار ، بكسر «إن» لم تطلّق بدخولها الأوّل ؛ لأنّه أمر ينتظر ، ولو فتح لطلّقت عليه ؛ لأنّه أمر كان ووقع ، ففتح «أن» لما هو علّة لما كان ووقع ، وكسرها إنّما هو لأمر منتظر ، والوجهان حسنان على معنييهما وهذا الذي قاله مكّي فصّل فيه الفقهاء بين من يعرف النحو ، وبين من لا يعرفه ، ويؤيّد (٦) هذه القراءة قراءة (٧) عبد الله بن مسعود : «إن يصدّوكم».
__________________
(١) في أ : الآية.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : ديوانه ٢ / ٣١١ ، الازهية من ٧٣ ، خزانة الأدب ٤ / ٢٠ ، ٩ / ٧٨ ، ٨١ ، الدرر ٤ / ٥٨ ، شرح شواهد المغني ١ / ٨٦ ، الكتاب ٣ / ١٦١ ، مراتب النحويين ص ٣٦ ، أمالي ابن الحاجب ١ / ٢١٨ ، الجنى الداني ص ٢٢٤ ، جواهر الأدب ص ٢٠٤ ، مغني اللبيب ١ / ٢٦ ، همع الهوامع ٢ / ١٩ ، الدر المصون ٢ / ٤٨٤.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : الصعب.
(٦) في أ : ويفيد.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٥٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٨٤.