مضلّ ، مع أنه بالإجماع لا يقدر على خلق الضّلال.
والجواب : أن هذا كلام إبليس ، فلا (١) يكون حجّة ، وأيضا : فكلامه في هذه المسألة مضطرب جدّا. فتارة يميل إلى القدر المحض ، وهو قوله : «لأغوينّهم» وأخرى إلى الجبر (٢) المحض ، وهو قوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [الحجر : ٣٩] وتارة يظهر التّردد فيه ، حيث قال : (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) [القصص : ٦٣] يعني : أنه قال هؤلاء الكفّار : نحن أغوينا ، فمن الذي أغوانا عن الدّين؟ فلا بدّ من انتهاء الكلّ في الآخرة إلى الله (٣).
قوله : «ولأمنّينّهم» قيل : أمنّينّهم ركوب الأهواء.
وقيل : أمنّينّهم إدراك الآخرة مع ركوب المعاصي.
قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) أي : يقطعونها ، ويشقّونها ، وهي البحيرة ، والبتك : القطع والشّقّ ، والبتكة : القطعة من الشيء ، جمعها : بتك ، قال : [البسيط]
١٨٧٨ ـ حتّى إذا ما هوت كفّ الغلام لها |
|
طارت وفي كفّه من ريشها بتك (٤) |
ومعنى ذلك : أنّ الجاهليّة كانوا يشقّون أذن النّاقة إذا ولدت خمسة أبطن ، آخرها ذكر ، وحرّموا على أنفسهم الانتفاع بها ، وقال آخرون (٥) : كانوا يقطعون آذان الأنعام نسكا في (٦) عبادة الأوثان ، ويظنّون أنّ ذلك عبادة ، مع أنّه في نفسه كفر وفسق.
قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) هذه اللّامات كلها للقسم.
قال ابن عبّاس ، والحسن [ومجاهد](٧) وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيّب والسّدّي ، والضّحاك ، والنّخعي : دين الله (٨) ، كقوله (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي : لدين الله ، وفي تفسير هذا القول وجهان :
__________________
(١) في ب : ولا.
(٢) في ب : الخير.
(٣) في ب : إلى الله الآخرة.
(٤) البيت لزهير ـ ينظر ديوانه (٨٠) والبحر المحيط ٣ / ٣٦٤ والدر المصون ٢ / ٤٢٨.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٩.
(٦) في أ : تكافىء.
(٧) سقط في أ.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢١٨ ـ ٢١٩) عن ابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد والنخعي وقتادة وابن زيد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٦) عن ابن عباس وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
وذكره أيضا (٢ / ٣٩٦) عن النخعي وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٦) عن سعيد بن جبير وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر.
وذكره عن مجاهد (٢ / ٣٩٦) وزاد نسبته لعبد الرزاق وآدم بن أبي إياس وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي.