قوله ـ سبحانه ـ : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ).
في «خائنة» [ثلاثة أوجه](١) :
أحدها : أنّها اسم فاعل ، والهاء للمبالغة ك «رواية وعلّامة [ونسّابة](٢)» ، أي : على شخص خائن.
قال الشّاعر : [الكامل]
١٩٤٨ ـ حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن |
|
للغدر خائنة مغلّ الإصبع (٣) |
الثاني : أن التّاء للتّأنيث ، وأنّث على معنى : طائفة أو فرقة أو نفس أو فعلة خائنة.
قال ابن عبّاس : (عَلى خائِنَةٍ) ، أي : على معصية ، وكانت خيانتهم نقض العهد ، ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ وهمّهم بقتله وسمه ونحوها من الخيانات الّتي ظهرت منهم.
الثالث : أنها بمعنى المصدر ك «العافية والعاقبة (٤) والكاذبة واللاغية والواقية» ، قال تعالى: (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) [الحاقة : ٥] أي : بالطّغيان ، وقال : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) [الواقعة : ٢] أي كذب ، وقال : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) [الغاشية : ١١] أي : لغوا.
وتقول العرب : سمعت راغية الإبل ، وثاغية الشاء ، يعنون رغاءها وثغاءها.
قال الزّجّاج (٥) : [ويقال](٦) عافاه الله عافية ، ويؤيّد هذا الوجه قراءة الأعمش (٧) «على خيانة» وأصل «خائنة» خاونة وخيانة وخوانة [لقولهم : تخوّن ، وخوّان](٨) وهو [أخون ، وإنما أعلّا إعلال «قائمة» ، و «قيام»](٩).
و «منهم» صفة ل «خائنة» إن أريد بها الصّفة ، وإن أريد بها المصدر قدّر مضاف ، أي : من بعض خياناتهم.
قوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً) منصوب على الاستثناء ، وفي المستثنى منه أربعة أقوال :
أظهرها : أنّه لفظ «خائنة» ، وهم الأشخاص المذكورون في الجملة قبله ، أي : لا تزال تطّلع على من يخون منهم إلّا القليل ، فإنّه لا يخون فلا تطلغ عليه ، وهم الذين أسلموا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : وتشابه.
(٣) ينظر : اللسان (صبع) ، الطبري ١٠ / ١٣٢ ، إصلاح المنطق ٢٩٥ ، الكشاف ١ / ٦١٦ ، الدر المصون ٢ / ٥٠١.
(٤) في أ : الغائبة.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٤٨.
(٦) سقط في أ.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٧٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٦٢ ، والدر المصون ٢ / ٥٠١.
(٨) في أ : كقولهم : يجوز وجواز.
(٩) في أ : أجوزه وأهل الإعلال قائمة وقيام.