باطلا ؛ لأنّ تلك الأماني لا تفيد إلا المغرور (١) ؛ وهو أن يظنّ الإنسان بالشيء أنه نافع لدينه ، ثم يتبيّن اشتماله على أعظم المضارّ.
قوله (إِلَّا غُرُوراً) يحتمل أن يكون مفعولا ثانيا ، وأن يكون مفعولا من أجله ، وأن يكون نعت مصدر محذوف ، أي : وعدا ذا غرور ، وأن يكون مصدرا على غير الصّدر ؛ لأنّ «يعدهم» في قوة يغرّهم بوعده.
(فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) «أولئك» : مبتدأ ، و «مأواهم» : مبتدأ ثان ، و «جهنم» : خبر الثّاني ، [والجملة خبر الأوّل](٢) وإنما قال : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) ؛ لأن الغرور عبارة عن الحالة التي يستحسن ظاهرها ، ويحصل النّدم عند انكشاف الحال فيها ، والاستغراق في طيّبات الدّنيا ، وفي معاصي الله ـ تعالى ـ ، وإن كان في الحال لذيذ ، إلا أن عاقبته جهنّم ، وسخط الله[ـ تعالى ـ](٣) وهذا معنى الغرور.
ثم قال (وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) ، فقوله «عنها» : يجوز أن يتعلّق بمحذوف :
إمّا على الحال من «محيصا» لأنّه في الأصل صفة نكرة قدّمت عليها ، وإمّا على التّبيين ، أي : أعني عنها ، ولا يجوز تعلّقه بمحذوف ؛ لأنه لا يتعدّى ب «عن» ولا ب «محيصا» ، وإن كان المعنى عليه لأنّ المصدر لا يتقدّم معموله عليه ، ومن يجوز ذلك ، يجوّز تعلّق «عن» به ، والمحيص : اسم مصدر من حاص يحيص : إذا خلص ونجا ، وقيل : هو الزّوغان بنفور ، ومنه قوله : [الطويل]
١٨٧٩ ـ ولم ندر إن حصنا من الموت حيصة |
|
كم العمر باق والمدى متطاول (٤) |
ويروي : «جضنا» بالجيم والضّاد المعجمة ، ومنه : «وقعوا في حيص بيص» ، وحاص باص ، أي : وقعوا في أمر يعسر التّخلّص منه ، ويقال : محيص ومحاص ، قال : [الكامل]
١٨٨٠ ـ أتحيص من حكم المنيّة جاهدا |
|
ما للرّجال عن المنون محاص (٥) |
ويقال : حاص يحوص حوصا وحياصا أي : زايل المكان الذي كان فيه ، والحوص : ضيق مؤخر العين ، ومنه : الأحوص.
قال الواحدي (٦) : الآية تحتمل وجهين :
أحدهما : أنه لا بدّ لهم من ورود النّار.
والثّاني : الخلود الذي هو نصيب الكفّار.
__________________
(١) في ب : الغرور.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) البيت لجعفر الحارثي ينظر الحماسة ١ / ٦٤ والبحر المحيط ٣ / ٣٦٤ والدر المصون ٢ / ٤٢٨.
(٥) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٣٦٤ والدر المصون ٢ / ٤٢٨.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٤١.