أحدها : أنه تعالى قال فيما تقدّم :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) فذكر أنّ الأعداء يريدون إيقاع البلاء بهم ، لكنّه تعالى يحفظهم [بفضله] ويمنع أعداءهم من إيصال الشّرّ إليهم ، ثم ذكر قصصا تدلّ في أنّ كلّ من خصّه الله به ـ تعالى ـ من النّعم العظيمة في الدّين والدّنيا فإنّ الناس يتنازعونه حسدا ، فذكر قصة النّقباء الاثني عشر ، وأخذ الميثاق منهم ، ثم إنّ اليهود نقضوا ذلك الميثاق حتى وقعوا في اللّعن والقساوة ، وذكر بعده شدّة إصرار النصارى على الكفر ، وقولهم ب «التّثليث» بعد ظهور الدّلائل الواضحة القاطعة على فساد اعتقادهم ، وما ذلك إلا حسدا لمحمد صلىاللهعليهوسلم فيما آتاه الله من الدّين الحقّ (١) ثم ذكر قصّه موسى في محاربة الجبّارين ، وإصرار قومه على التّمرّد والعصيان ، ثم ذكر بعده قصّة ابني آدم ، وأنّ أحدهما قتل الآخر حسدا على قبول قربانه ، وكل هذه القصص دالّة على أنّ كل ذي نعمة محسود ، فلما كانت نعم الله على محمّد صلىاللهعليهوسلم أعظم النعم لم يبعد اتّفاق الأعداء على كيده ، فكان ذكر هذه القصص تسلية له فيما هدّده به اليهود من المكر والكيد (٢).
ثانيها : أنّه متعلّق بقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ).
وهذه القصص مذكورة في التّوراة (٣).
وثالثها : أنّها متعلّقة بقصة [محاربة](٤) الجبّارين ، أي : ذكّروا اليهود بحديث ابني آدم ؛ ليعلموا أن سبيل أسلافهم في النّدامة والحسرة الحاصلة بسبب إقدامهم على المعاصي ، مثل سبيل ابني آدم في ندامة أحدهما على قتل الآخر (٥).
رابعها : أنه متّصل بحكاية قول اليهود والنّصارى : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] أي : لا ينفعهم كونهم أولاد الأنبياء (٦) مع كفرهم ، كما لم ينتفع ولد آدم بقتل أخيه بكون أبيه نبيّا معظما عند الله ـ تعالى ـ.
وخامسها : لما كفر أهل الكتاب بمحمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ حسدا أخبرهم الله ـ تعالى ـ بخبر ابني آدم ، وأنّ الحسد أوقعه في سوء الخاتمة ، والمقصود منه التّحذير عن الحسد (٧).
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٠.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٠.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٠.
(٦) في أ : الله.
(٧) اعلم أنه لا حسد إلّا على نعمة ، فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة ، فلك فيها حالتان :
إحداهما : أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها ، وهذه الحالة تسمى حسدا ؛ فالحسد حدّه كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه. ـ