الضّمير في «عليهم» فيه قولان :
__________________
ـ الحالة الثانية : ألّا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ، ولكن تشتهي لنفسك مثلها. وهذه تسمى غبطة ، وقد تختص باسم المنافسة.
وقد تسمى المنافسة حسدا والحسد منافسة ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر ، ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني. وقد قال الفضيل بن عياض : «إنّ المؤمن يغبط والمنافق يحسد».
فأما الأوّل : فهو حرام بكل حال ، إلّا نعمة أصابها فاجر أو كافر ، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين ، وإيذاء الخلق ، فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها ؛ فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة ، بل من حيث هي آلة للفساد ، ولو أمنت فساده ، لم يغمك بنعمته ، ويدل على تحريم الحسد الأخبار ، وأن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض ، وذلك لا عذر فيه ولا رخصة ، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة؟ وإلى هذا أشار القرآن بقوله : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها) وهذا الفرح شماتة ، والحسد والشماتة يتلازمان. وقال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) فأخبر تعالى أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد. وقال عزوجل : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) وذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف ـ عليهالسلام ـ وعبّر عما في قلوبهم بقوله تعالى : (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ). اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك وأحبوا زواله عنه غيبوه عنه وقال تعالى : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) أي : لا تضيق صدورهم به ولا يغتمون ، فأثنى عليهم بعدم الحسد. وقال تعالى في معرض الإنكار : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، وقال تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) إلى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) قيل في التفسير : حسدا وقال تعالى : (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) فأنزل الله العلم ليجمعهم ، ويؤلف بينهم على طاعته ، وأمرهم أن يتآلفوا بالعلم فتحاسدوا واختلفوا ؛ إذ أراد كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول ، فرد بعضهم على بعض.
قال ابن عباس : كانت اليهود قبل أن يبعث النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا قاتلوا قوما قالوا : نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله ، وبالكتاب الذي تنزله إلّا ما نصرتنا. فكانوا ينصرون ، فلما جاء النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من ولد إسمعيل ـ عليهالسلام ـ عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم إياه فقال تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) إلى قوله : (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً) أي : حسدا.
وقالت صفية بنت حيي للنبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ جاء أبي وعمي من عندك يوما ، فقال أبي لعمي : ما تقول فيه؟ قال : أقول إنه النبي الذي بشر به موسى. قال : فما ترى؟ قال : أرى معاداته أيام الحياة فهذا حكم الحسد في التحريم.
وأما المنافسة : فليست بحرام ، بل هي إما واجبة ، وإما مندوبة ، وإما مباحة ، وقد يستعمل لفظ الحسد بدل المنافسة والمنافسة بدل الحسد.
قال قثم بن العباس : لما أراد هو والفضل أن يأتيا النبي صلىاللهعليهوسلم صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فيسألاه أن يؤمرهما على الصدقة ـ قالا لعلي حين قال لهما : لا تذهبا إليه فإنه لا يؤمركما عليها ـ فقالا له : ما هذا منك إلّا نفاسة والله لقد زوّجك ابنته فما نفسنا ذلك عليك أي : هذا منك حسد ، وما حسدناك على تزويجه إياك فاطمة.
والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة. والذي يدل على إباحة المنافسة قوله تعالى : (وَفِي ذلِكَ ـ