ـ لم يكن يزوّج ابنته من ابنه ، ولو فعل ذلك ما رغب عنه النّبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا كان دين آدم عليهالسلام إلّا دين النبي صلىاللهعليهوسلم ...» ، وذكر قصّته. قال القرطبيّ (١) : وهذه القصّة عن جعفر ما أظنّها تصحّ ، وأنه يزوّج غلام هذا البطن إلى البطن الآخر ، بدليل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) [النساء : ١] ، وهذا كالنصّ ثم نسخ ذلك على ما تقدم بيانه في «سورة البقرة» وكان جميع ما ولدته حوّاء أربعين ولدا ذكرا ، وأنثى : عشرين بطنا أوّلهم قابيل ، وتوأمته إقليمياء وآخرهم عبد المغيث ، ثم بارك الله في نسل آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وعن ابن عبّاس (٢) ـ رضي الله عنهما ـ : لم يمت آدم ـ عليهالسلام ـ حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا.
والقول الثاني : وهو قول الحسن والضّحّاك : أنّ ابني آدم اللذين قرّبا القربان ما كانا ابني آدم لصلبه ، وإنما كانا رجلين من بني إسرائيل [كانت بينهما خصومة ، ولم تكن القرابين إلا في بني اسرائيل](٣) ؛ لقوله تعالى في آخر القصّة : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢].
وصدور الذنب من ابني آدم ، لا يصلح أن يكون سببا لإيجاب القصاص عليهم زجرا لهم عن المعاودة إلى مثل هذا الذّنب ، ويدلّ عليه أيضا أنّ المقصود من هذه القصّة : بيان أنّ اليهود من قديم الدّهر مصرّون على التّمرّد والحسد حتى بلغ بهم هذا الحسد إلى أن أحدهما لما قبل الله قربانه حسده الآخر وقتله ، ولا شكّ أن هذا ذنب عظيم. فإنّ قبول القربان ممّا يدل [عليه أن صاحبه](٤) حسن الاعتقاد [وأنه](٥) مقبول عند الله ـ تعالى ـ فتجب المبالغة في تعظيمه ، فلما أقدم على قتله [وقتله](٦) مع هذه الحالة دلّ ذلك على أنّه قد بلغ في الحسد أقصى الغايات ، وإذا كان المراد أنّ الحسد داء قديم في بني إسرائيل ، وجب أن يقال : [هذان الرّجلان](٧) كانا من بني إسرائيل ، والصّحيح الأول ؛ لأنّ القاتل جهل ما يصنع بالمقتول ، حتى تعلّم ذلك من عمل الغراب ولو كان من بني إسرائيل لما خفي عليه هذا الأمر ـ والله سبحانه أعلم (٨) ـ.
فصل
قوله تعالى : «بالحقّ» فيه ثلاثة أوجه :
__________________
(١) ينظر : القرطبي ٦ / ٨٩.
(٢) ينظر : القرطبي ٦ / ٨٩.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٠) عن الحسن.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) في أ : أن الرجلين.
(٨) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦١.