وقال مجاهد : الآية خطاب لعبدة الأوثان ، يعني : مشركي أهل مكّة ، وذلك أنّهم قالوا : لا بعث ولا حساب ، وقال أهل الكتاب : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً)(١) [البقرة : ٨٠] ، و (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] ، فأنزل الله الآية (٢) ، وإنما الأمر بالعمل الصّالح.
قوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) : جملة مستأنفة مؤكّدة لحكم الجملة قبلها.
قالت المعتزلة : هذه الآية دالّة على أنّه [ـ تعالى ـ](٣) لا يعفو عن شيء من السّيّئات.
وليس لقائل أن يقول : هذا يشكل بالصّغائر ، فإنها مغفورة.
فالجواب عنه من وجهين :
الأول : أن العامّ بعد التّخصيص حجّة.
والثاني : أن صاحب الصّغيرة قد حبط من ثواب طاعته بمقدار عقاب تلك المعصية ، فههنا قد وصل خبر تلك المعصية إليه.
وأجابوا بأنه لم لا يجوز أن يكون المراد من هذا الجزاء ما يصل إلى الإنسان [في الدّنيا](٤) من الهموم والآلام والأسقام (٥) ؛ ويدلّ على ذلك قوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا) [المائدة : ٣٨] سمّى القطع جزاء.
وروي : أنّه لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ كيف الصّلاح بعد هذه الآية؟ ، فقال ـ [عليه الصلاة والسلام](٦) ـ غفر الله لك يا أبا بكر ، ألست تمرض؟ أليس تصيبك الآلام؟ فهو ما تجزون به (٧).
__________________
(١) في ب : معدودات.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٢٣) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٨) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : والانتقام.
(٦) سقط في أ.
(٧) أخرجه أحمد (١١) وابن حبان (١٧٣٧ ـ موارد) والحاكم (٣ / ٧٤ ـ ٧٥) والبيهقي (٣ / ٣٧٣) والطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٤٩) وأبو يعلى (١ / ٩٧) من حديث أبي بكر الصديق.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٠٠) وزاد نسبته لهناد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن السني ف ي «عمل اليوم والليلة» والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة».