مضبوطة ، فربّما استحقر (١) الملك الكبير آلافا مؤلّفة ، وربما استعظم الفقير طسّوجا (٢) ، ولهذا قال الشافعيّ ـ رضي الله عنه ـ : لو قال : لفلان عليّ مال عظيم ، ثم فسره بالحبة ، يقبل قوله فيه لاحتمال أنّه كان عظيما في نظره ، أو كان عظيما عنده لغاية فقره وشدة احتياجه إليه ، ولما كانت مقادير القلّة والكثرة غير مضبوطة ، وجب بناء الحكم على أقل ما يسمّى مالا.
وليس لقائل أن يستبعد ويقول : كيف يجوز [القطع في سرقة](٣) الطسوجة الواحدة ، فإنّ الملحد قد جعل هذا طعنا في الشريعة فقال : اليد لما كانت قيمتها خمسمائة دينار من الذّهب ، فكيف تقطع لأجل القليل من المال؟ ثم إن أجبنا عن هذا الطعن ، بأنّ الشرع إنما قطع يده بسبب أنه تحمّل الدناءة والخساسة (٤) في سرقة ذلك القدر القليل ، فلا يبعد أن يعاقبه الشرع بسبب تلك الدناءة بهذه العقوبة العظيمة ، وإذا كان هذا الجواب مقبولا منّا في إيجاب القطع في القليل والكثير ، قال : وممّا يدل على أنّه لا يجوز تخصيص عموم القرآن هاهنا بخبر الواحد ، وذلك لأن القائلين بتخصيص هذا العموم اختلفوا على وجوه :
قال الشافعيّ : يجب القطع في ربع دينار ، وروى فيه قوله عليه الصلاة والسلام «لا قطع إلّا في ربع دينار» (٥) وقال أبو حنيفة : لا يجب إلّا في عشرة دراهم مضروبة ، وروى قوله عليه الصلاة والسلام «لا قطع إلا في ثمن المجنّ» (٦) قال : والظاهر أنّ ثمن المجنّ لا يكون أقلّ من عشرة دراهم.
وقال مالك وأحمد وإسحاق : يقدر بثلاثة دراهم أو ربع دينار وقال ابن أبي ليلى : مقدّر بخمسة دراهم ، وكلّ واحد من هؤلاء المجتهدين يطعن في الخبر الذي يرويه الآخر ، فعلى هذا التقدير : فهذه المخصصات صارت متعارضة ، فوجب ألّا يلتفت إلى شيء منها ، ويرجع في معرفة حكم الله تعالى إلى ظاهر القرآن.
قال (٧) : وليس لأحد أن يقول : إن الصحابة أجمعوا على أنّه لا يجب القطع إلّا في مقدار معيّن ، قال : لأنّ الحسن البصريّ كان يوجب القطع بمجرد السّرقة ، وكان يقول :
__________________
(١) في أ : استحقوا.
(٢) ثبت في هامش (ب) وهو ربع دانق.
(٣) في ب : قطع اليد في السرقة.
(٤) في أ : الخامسة.
(٥) أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (٧ / ٢٠٩ ـ ٢١٠) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣ / ١٦٦) من حديث عمرة عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لا قطع إلّا في ربع دينار.
وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١٣٣٤٥) وعزاه لابن حبان.
(٦) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٥ / ٣٨٤) رقم (١٣٣٤٨) وعزاه للبغوي. وأخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٨٣١) كتاب الحدود ما يجب فيه القطع وذكره البغوي في شرح السنة» (٥ / ٤٨٦) بمعناه.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٧٨.