احذر من قطع درهم ، ولو كان الإجماع منعقدا لما خالف الحسن البصري فيه مع قربه من زمن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، وشدة احتياطه فيما يتعلق بالدين ، فهذا تقرير مذهب الحسن البصريّ ومذهب داود الأصفهاني ، وأمّا الفقهاء فقالوا : لا بدّ في وجوب القطع من القدر.
فقال الشافعيّ : القطع في ربع دينار فصاعدا وهو نصاب السرقة ، وسائر الأشياء تقوّم به ، وقال أبو حنيفة والثّوريّ لا يجب القطع في أقل من عشرة دراهم مضروبة. ويقوّم غيرها به ، وقال مالك وأحمد : ربع دينار [أو](١) ثلاثة دراهم ، وقال ابن أبي ليلى : خمسة دراهم ، وحجة الشافعي ـ رضي الله عنه ـ ما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : «القطع في ربع دينار فصاعدا» (٢).
وحجّة مالك ـ رضي الله عنه ـ ما روي عن نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قطع سارقا في مجنّ ثمنه ثلاثة دراهم (٣).
وروي عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ أنّه قطع السارق في أترجّة قوّمت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر دينار ، واحتجّ أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ بأنّه قول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ، وبأن المجنّ قيمته عشرة دراهم (٤) ، واحتج ابن أبي ليلى ـ رحمهالله ـ بما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال : «لعن الله السّارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده» (٥).
قال الأعمش (٦) : كانوا يرون أنّه بيض الحديد والحبل ، يرون أنه منها تساوي ثلاثة دراهم ، ويحتج بهذا من يرى القطع في الشيء القليل ، وعند الأكثرين محمول على ما قاله الأعمش لحديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه الشافعي ٢ / ٨٣ ، الباب الثاني في حد السرقة (٢٧١) ، والبخاري ١٢ / ٩٩ ، كتاب الحدود : باب قول الله تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (٦٧٨٩) ، وطرفه في (٦٧٩٠ ـ ٦٧٩١) ، ومسلم ٣ / ١٣١٢ كتاب الحدود : باب حد السرقة ونصابها (١ ـ ١٦٨٤).
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ٢ / ٨٣١ ، في الحدود : باب ما يجب فيه القطع والبخاري ١٢ / ٩٩ في الحدود : باب قول الله تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ (٦٧٩٥) ، وأطرافه في (٦٧٩٦ ـ ٦٧٩٧ ـ ٦٧٩٨) ، ومسلم ٣ / ١٣١٣ ، في الحدود : باب حد السرقة (٦ ـ ١٦٨٦). وأبو داود (٤٣٨٦) والنسائي (٢ / ٢٥٨) والدارمي (٢ / ١٧٣) وابن ماجه (٢٥٨٤) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٢ / ٩٣) والبيهقي (٨ / ٢٥٦).
(٤) تقدم.
(٥) أخرجه البخاري ١٢ / ٨٣ ، في الحدود : (٦٧٨٣) ، وطرفه في (٦٧٩٩) ، ومسلم ٣ / ١٣١٤ ، كتاب الحدود : باب حد السرقة (٧ ـ ١٦٨٧).
(٦) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٥.