قال الفرّاء (١) : هو حبر بالكسر ، يقال ذلك للعالم.
وقال الثّوريّ (٢) : سألت الفرّاء : لم سمّي الحبر حبرا؟ فقال : يقال للعالم حبر وحبر ، فالمعنى مداد حبرهم ، ثم حذف كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] [أي أهل القرية](٣).
قال : فسألت الأصمعيّ ، فقال : ليس هذا بشيء ، إنما سمّي حبرا لتأثيره ، يقال : على أسنانه حبر ، أي : صفرة أو سواد.
وقال المبرّد : وسمّي الحبر الذي يكتب به حبرا ؛ لأنه يحبّر به ، أي : يحقّق به.
وقال أبو عبيد (٤) : والذي عندي في واحد الأحبار أنّه للحبر بالفتح ، ومعناه العالم بتحبير الكلام ، والعلم تحسينه ، والحبر بالكسر : الذي يكتب به.
قوله تعالى : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا) أجاز أبو البقاء فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ «بما» بدل من قوله : «بها» بإعادة العامل لطول الفصل ، قال : «وهو جائز وإن لم يطل» أي : يجوز إعادة العامل في البدل ، وإن لم يطل.
قلت (٥) : وإن لم يفصل أيضا.
الثاني : أن يكون متعلّقا بفعل محذوف ، أي : ويحكم الربانيون بما استحفظوا ، كما قدمته(٦) عنه.
والثالث : أنّه مفعول به ، أي : يحكمون بالتوراة بسبب استحفاظهم ذلك ، وهذا الوجه الأخير هو الذي نحا إليه الزمخشريّ ؛ فإنه قال : «بما استحفظوا بما سألهم أنبياؤهم حفظه من التوراة ، أي : بسبب سؤال أنبيائهم إيّاهم أن يحفظوه من التّبديل والتّغيير» ، وهذا على أنّ الضمير يعود على الربانيين ، والأحبار ، دون النّبيّين ، فإنّه قدّر الفاعل المحذوف «النبيين» ، وأجاز أن يعود الضمير في «استحفظوا» على النبيين والربانيين والأحبار ، وقدّر الفاعل المنوب عنه : الباري تعالى ، أي : بما استحفظهم الله تعالى ، يعني : بما كلّفهم حفظه.
وقوله تعالى : (مِنْ كِتابِ اللهِ) ؛ قال الزمخشريّ (٧) : و «من» في (مِنْ كِتابِ اللهِ) للتّبيين ، يعني أنّها لبيان جنس المبهم في «بما» فإنّ «ما» يجوز أن تكون موصولة اسميّة بمعنى «الّذي» ، والعائد محذوف ، أي : بما استحفظوه ، وأن تكون مصدريّة ، أي : باستحفاظهم.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٢٣.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٢٣.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٢٣.
(٥) في ب : وقال غيره.
(٦) في ب : تقدم.
(٧) ينظر : الكشاف ١ / ٦٣٧.