والجواب : أنّ ذلك مقدور له (١) ، ولكنّه لا يفعله لمكان النّهي ، وقيل : الخطاب له والمراد غيره.
قوله تعالى : (عَمَّا جاءَكَ) فيه وجهان :
أحدهما ـ وبه قال أبو البقاء (٢) ـ أنّه حال ، أي : عادلا عمّا جاءك ، وهذا فيه نظر من حيث إنّ «عن» حرف جرّ ناقص لا يقع خبرا عن الجثّة ، فكذا لا يقع حالا عنها ، وحرف الجر النّاقص إنّما يتعلّق بكون مطلق لا بكون مقيّد ، لكن المقيّد لا يجوز حذفه.
الثاني : أن «عن» على بابها من المجاوزة ، لكن بتضمين [«تتّبع»] معنى «تتزحزح وتنحرف» ، أي : لا تنحرف متّبعا كما تقدم.
قوله تعالى : (مِنَ الْحَقِّ) فيه أيضا وجهان :
أحدهما : أنّه حال من الضّمير المرفوع في «جاءك».
والثاني : أنّه حال من نفس «ما» الموصولة ، فيتعلّق بمحذوف ، ويجوز أن تكون للبيان.
قوله [تعالى] : «لكلّ» : «كلّ» مضافة لشيء محذوف ، وذلك المحذوف يحتمل أن يكون لفظة «أمّة» ، أي (٣) : لكل أمة ، ويراد بهم : جميع النّاس من المسلمين واليهود والنّصارى.
ويحتمل أن يكون ذلك المحذوف «الأنبياء» أي : لكلّ الأنبياء المقدّم ذكرهم.
و «جعلنا» يحتمل أن تكون متعدّية لاثنين بمعنى صيّرنا ، فيكون «لكلّ» مفعولا مقدّما ، و «شرعة» مفعول ثان.
وقوله : «منكم» متعلّق بمحذوف ، أي : أعني منكم ، ولا يجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه صفة ل «كلّ» لوجهين :
أحدهما : أنّه يلزم منه الفصل بين الصّفة والموصوف بقوله : «جعلنا» ، وهي جملة أجنبيّة ليس فيها تأكيد ولا تسديد ، وما شأنه كذلك لا يجوز الفصل به.
والثاني : أنه يلزم منه الفصل بين «جعلنا» ، وبين معمولها وهو «شرعة» قاله أبو البقاء (٤) ، وفيه نظر ، فإنّ العامل في «لكلّ» غير أجنبيّ ، ويدلّ [على ذلك] قوله : (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ) [الأنعام : ١٤] ، ففصل بين الجلالة وصفتها بالعامل في المفعول الأوّل ، وهذا نظيره.
وقرأ إبراهيم النّخعي ، ويحيى بن وثّاب (٥) : «شرعة» بفتح الشّين ، كأن المكسور للهيئة ، والمفتوح مصدر.
__________________
(١) في ب : عليه.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٧.
(٣) في ب : ويجوز أي.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٧.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٠١ ، والبحر المحيط ٣ / ٥١٤ ، والدر المصون ٢ / ٥٣٩ ، والشواذ (٣٩).