مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) أي : سبيلا وسنّة (١) ، وأراد بهذا أن الشّرائع مختلفة ولكلّ أمّة شريعة.
قال قتادة : الخطاب للأمم الثّلاث : أمّة موسى ، وأمّة عيسى ، وأمّة محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم (٢) ـ لتقدّم ذكرهم.
فإن قيل : قد وردت آيات تدلّ على عدم التّباين في طريقة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ كقوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣] إلى قوله تعالى : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣] وقال تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] ، وآيات دلّت على التّباين في هذه الآية فكيف الجمع؟
فالجواب : أنّ الأوّل ينصرف إلى أصول الدّيانات.
والثاني ينصرف إلى الفروع.
واحتجّ أكثر العلماء (٣) بهذه الآية على أنّ شرع من قبلنا لا يلزمنا ؛ لأنّها تدلّ على أنّ لكلّ رسول شريعة خاصّة.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ، أي : جماعة متّفقة على شريعة واحدة ، أو ذوي أمة واحدة ، أو دين واحد لا اختلاف فيه.
قال أهل السّنّة (٤) : وهذا يدلّ على أن الكلّ بمشيئة الله ـ تعالى ـ ، والمعتزلة : حملوه على مشيئة الإلجاء.
قوله تعالى : (وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ) متعلّق بمحذوف ، فقدّره أبو البقاء (٥) : «ولكن فرّقكم ليبلوكم».
وقدّره غيره «ولكن لم يشأ جعلكم أمّة واحدة».
قال شهاب الدين (٦) : وهذا أحسن ؛ لدلالة اللّفظ والمعنى عليه.
ومعنى «ليبلولكم» : ليختبركم ، «فيما آتاكم» : من الكتب وبيّن لكم من الشّرائع ، فبيّن المطيع من العاصي ، والموافق من المخالف ، (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) فبادروا إلى الأعمال الصّالحة قوله تعالى : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) استئناف في معنى التّعليل لاستباق الخيرات.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٦١١ ـ ٦١٢) عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥١٣) عن ابن عباس وزاد نسبته لعبد بن حميد وسعيد بن منصور والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس.
(٢) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٢ / ١٢).
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٢.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٧.
(٦) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٣٩.