أي : لم أصنعه (١).
قال ابن عطيّة (٢) : وهكذا الرّواية ، وبها يتمّ المعنى الصّحيح ؛ لأنّه أراد التبرّؤ من جميع الذّنوب ، ولو نصب «كل» لكان ظاهر قوله أنّه صنع بعضه ، وهذا الذي ذكره ابن عطيّة معنى صحيح نصّ عليه أهل علم المعاني والبيان ، واستشهدوا على ذلك بقوله ـ عليهالسلام ـ حين سأله ذو اليدين ، فقال : «أقصرت الصّلاة أم نسيت؟ فقال : «كلّ ذلك لم يكن» (٣) أراد ـ عليهالسلام ـ انتفاء كلّ فرد فرد ، وأفاد هذا المعنى تقديم «كلّ» ، قالوا : ولو قال : «لم يكن كلّ ذلك» لاحتمل الكلام أنّ البعض غير منفي ، وهذه المسألة تسمّى عموم السّلب ، وعكسها نحو : «لم أصنع كلّ ذلك» يسمّى سلب العموم ، وهذه مسألة مفيدة ، وإن كان بعض النّاس قد فهم عن سيبويه غير ما [ذكرت لك](٤).
ثمّ قال ابن عطيّة (٥) : وهو قبيح ـ يعني : حذف العائد من الخبر ـ وإنّما يحذف الضّمير كثيرا من الصّلة ، ويحذف أقلّ من ذلك من الصّفة ، وحذفه من الخبر قبيح.
ولكنّه رجّح البيت على هذه القراءة بوجهين :
أحدهما : أنّه ليس في صدر قوله [ألف] استفهام تطلب الفعل ، كما هي في «أفحكم».
__________________
ـ ابن يعيش ٢ / ٣٠ ، ٦ / ٩٠ ، البسيط في شرح جمل الزجاجي ١ / ٥٦٥ الإفصاح للفارقي ٢٠٥ ، الخزانة ١ / ٣٥٩ ، المحرر الوجيز ٢ / ٢٠٢ ، الدر المصون ٢ / ٥٤١.
(١) يحذف الضمير العائد من جملة الخبر إلى المبتدأ بشرطين :
١ ـ أن يكون في الكلام ما يدل عليه أو قرينة حال ، فإن لم يكن معنا ما يدل عليه ، فلا يجوز حذفه ، وهذا بلا شك بين ؛ لأن العرب لا تحذف الشيء حتى يكون معها ما يدل عليه.
٢ ـ ألا يكون في الكلام ما يصحّ أن يعمل في المبتدأ ، نحو : زيد ضربت ، فإن (ضربت) يصح أن يعمل في زيد ؛ لأنه لم يشتغل عنه بضميره ، ولا بغير ضميره في اللفظ ، وقد جاء في الشعر وفي قليل من الكلام ، واستدل بالشاهد السابق ، على أن حذف الضمير من الفعل ، والأصل : «كله لم أصنعه» وقالوا : شهر ثرى ، وشهر ترى ، وشهر مرعى. المعنى : ترى فيه.
قال الفراء ويحذف أيضا قياسا إذا كان الضمير منصوبا مفعولا به ، والمبتدأ «كل» كما في البيت السابق.
فإن «كل» إذا وقعت في حيز النفي ، كان النفي موجها إلى الشمول خاصة ، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد ، نحو : ما جاء كل القوم. وإن وقع النفي في حيزها ، اقتضى السلب عن كل فرد ؛ كقوله ـ عليهالسلام ـ لما قال له ذو اليدين : أنسيت أم قصرت الصلاة؟ : «كل ذلك لم يكن».
واستشهد بالبيت السابق :
قد أصبحت أم الخيار تدعي |
|
عليّ ذنبا كله لم أصنع |
ويعني بالذنب : الشيب والصلع والشيخوخة وهي أشياء لم يصنعها هو. ينظر : المراجع السابقة.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٠٢.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١ / ٩٤ كتاب المساجد : باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا وأخرجه البخاري ٣ / ١٦٦ ، كتاب السهو : باب إذا سلم في ركعتين (١٢٢٧) ، ومسلم ١ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ، كتاب المساجد : باب السهو في الصلاة والسجود له (٩٩ / ٥٧٣).
(٤) في أ : ذكرنا لك.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٠٢.