فأثبت النون في الإضافة ، فلمّا جاءت هذه القراءة ؛ ووجّهت بأن علامة النصب فتحة النون ، وكان المشهور بهذا القول إنما هو الفارسيّ ، سأل أبو البقاء (١) هذه المسألة ، وأجاب بأنّ غيره يجيزه حتّى مع الواو ، وجعل أنّ القياس لا يأباه ، قال شهاب الدين : القياس يأباه ، والفرق بين حال كونه بالياء وبين كونه بالواو ظاهر قد حقّقته في «شرح التّسهيل» ، نعم ، إذا سمّي بجمع المذكر السالم ، جاز فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن يعرب بالحركات مع الواو ، ويصير نظير «الذون» ، فيقال : «جاء الزّيدون ورأيت الزّيدون ومررت بالزّيدون» ، ك «جاء الذون ورأيت الذون ومررت بالذون» ، هذا إذا سمّي به ، أمّا ما دام جمعا ، فلا أحفظ فيه ما ذكره أبو البقاء ، ومن أثبت حجة على من نفى ، لا سيما مع تقدّمه في العلم والزمان.
الوجه التاسع : قال مكيّ (٢) : «وإنما رفع «الصّابئون» ؛ لأن «إنّ» لم يظهر لها عمل في «الّذين» فبقي المعطوف على رفعه الأصليّ قبل دخول «إنّ» على الجملة» ، قلت : وهذا هو بعينه مذهب الفراء (٣) ، أعني : أنه يجيز العطف على محلّ اسم «إنّ» إذا لم يظهر فيه إعراب ، إلا أن عبارة مكيّ لا توافق هذا ظاهرا.
قال ابن الخطيب (٤) معلّلا قول الفرّاء : أن «إنّ» ضعيفة في العمل هاهنا ، وبيانه من وجوه :
الأوّل : أنّ كلمة «إنّ» لم تعمل إلّا لكونها مشابهة للفعل ، ومعلوم أنّ المشابهة بين الفعل والحرف ضعيفة.
الثاني : أنّها ، وإن كانت تعمل في الاسم فقط ، أمّا الخبر ، فإنّه يبقى مرفوعا ، لكونه خبر المبتدأ ، وليس لهذا الحرف في رفع الخبر تأثير ، وهذا مذهب الكوفيّين.
والثالث : أنّها إنما يظهر أثرها في تغيير الأسماء أمّا الأسماء الّتي لا تتغيّر عند اختلاف العوامل ، فلا يظهر أثر هذا الحرف فيها ، والأمر هاهنا كذلك ؛ لأنّ الاسم هاهنا هو قوله «الّذين» وهذه الكلمة لا يظهر فيها أثر النّصب والرّفع والخفض.
وإذا ثبت هذا فنقول : إذا كان اسم «إنّ» بحيث لا يظهر فيه أثر الإعراب ، فالّذي يعطف عليه يجوز النّصب فيه على إعمال هذا الحرف ، والرّفع على إسقاط عمله ، فلا يجوز أن يقال : «إنّ زيدا وعمرا قائمان» لأنّ زيدا ظهر فيها أثر الإعراب ، ويجوز أن يقال : «إنّ هؤلاء إخوتك يكرموننا ، وإنّ قطام وهند عندنا» والسّبب في جواز ذلك أنّ
__________________
ـ ٥٨ ، ٥٩ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٧٦. شرح ابن عقيل ص ٣٩ ، شرح الأشموني ١ / ٣٧ ، أوضح المسالك ١ / ٥٧ لسان العرب (نجد) ، (سند) مجالس ثعلب ص ١٧٧ ، ٣٢٠. الدر المصون ٢ / ٥٧٦.
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٢.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢٣٨.
(٣) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣١١.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٤٤.