ثلاثة آلهة ، فإنّه ما من شيء إلّا والله ثالثه بالعلم ، قال تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) [المجادلة : ٧].
وقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ لأبي بكر : «ما ظنّك باثنين الله ثالثهما»(١).
الطريق الثاني : أنّ المتكلّمين حكوا عن النّصارى أنّهم يقولون : جوهر واحد : ثلاثة أقسام: أب ، وابن ، وروح القدس ، وهذه الثّلاثة إله واحد ، كما أنّ الشّمس اسم يتناول القرص والشّعاع والحرارة ، وعنوا بالأب الذّات ، وبالابن الكلمة ، وبالرّوح الحياة ، وأثبتوا الذّات والكلمة والحياة.
وقالوا : إنّ الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسم عيسى اختلاط الماء بالخمر ، واختلاط الماء باللّبن.
وزعموا أنّ الأب إله ، والابن إله ، والرّوح إله ، والكلّ إله وهذا باطل بيديهة العقل ، فإنّ الإله لا يكون إلّا واحدا ، والواحد لا يكون ثلاثة ، وليس في الدّنيا مقالة أشدّ فسادا ، وأظهر بطلانا من مقالة النّصارى ـ لعنهم الله تعالى ـ.
قوله تعالى : (وَما مِنْ إِلهٍ) «من» زائدة في المبتدأ ؛ لوجود الشرطين ، وهما كون الكلام غير إيجاب ، وتنكير ما جرّته ، و «إله» بدل من محلّ «إله» المجرور ب «من» الاستغراقية ؛ لأن محلّه رفع كما تقدّم ، وما إله في الوجود إلّا إله متّصف بالوحدانية ، قال الزمخشريّ (٢) : «من» في قوله : (مِنْ إِلهٍ) للاستغراق ، وهي المقدّرة مع «لا» التي لنفي الجنس في قولك : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) والمعنى : وما من إله قطّ في الوجود إلّا إله متّصف بالوحدانيّة ، وهو الله تعالى» ، فقد تحصّل من هذا أنّ (مِنْ إِلهٍ) مبتدأ ، وخبره محذوف ، و (إِلَّا إِلهٌ) بدل على المحلّ ، قال مكي (٣) : «ويجوز في الكلام النصب : «إلّا إلها» على الاستثناء» ، قال أبو البقاء (٤) : «ولو قرىء بالجرّ بدلا من لفظ «إله» ، لكان جائزا في العربيّة» ، قال شهاب الدين (٥) : ليس كما قال ؛ لأنه يلزم زيادة «من» في الواجب ؛ لأن النفي انتقض ب «إلّا» ، لو قلت : «ما قام إلّا من رجل» ، لم يجز فكذا هذا ، وإنما يجوز ذلك على رأي الكوفيين والأخفش ؛ فإنّ الكوفيين يشترطون تنكير مجرورها فقط ، والأخفش لا يشترط شيئا ، قال مكي (٦) : «واختار الكسائيّ الخفض على البدل من لفظ «إله» ، وهو بعيد ؛ لأنّ «من» لا تزاد في الواجب» ، قال شهاب الدين (٧) : ولو ذهب ذاهب
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٦٤.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٥١.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٣.
(٥) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٨٣.
(٦) ينظر : المشكل ١ / ٢٤١.
(٧) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٨٣.