إلى أنّ قوله «إلّا إله» خبر المبتدأ ، وتكون المسألة من الاستثناء المفرّغ ، كأنه قيل : ما إله إلّا إله متّصف بالواحد ، لما ظهر له منع ، لكنّي لم أرهم قالوه ، وفيه مجال للنظر.
ثم قال تعالى : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
قال الزّجّاج (١) : معناه : ليمسن الذين أقاموا على هذا الدّين ؛ لأنّ كثيرا منهم تابوا عن النّصرانيّة ، فخصّ الذين كفروا لعلمه أنّ بعضهم يؤمن.
قوله : «ليمسّنّ» جواب قسم محذوف ، وجواب الشرط محذوف ؛ لدلالة هذا عليه ، والتقدير : والله ، إن لم ينتهوا ليمسّنّ ، وجاء هذا على القاعدة التي قرّرتها : وهو أنه إذا اجتمع شرط وقسم أجيب سابقهما ما لم يسبقهما ذو خبر ، وقد يجاب الشرط مطلقا ، وقد تقدّم أيضا : أن فعل الشرط حينئذ لا يكون إلا ماضيا لفظا ومعنى لا لفظا كهذه الآية ، فإن قيل : السابق هنا الشرط ؛ إذ القسم مقدّر ، فيكون تقديره متأخّرا ، فالجواب أنه لو قصد تأخّر القسم في التقدير ، لأجيب الشرط ، فلمّا أجيب القسم ، علم أنه مقدّر التقديم ، وعبّر بعضهم عن هذا ، فقال : لام التوطئة للقسم قد تحذف ويراعى حكمها ؛ كهذه الآية ؛ إذ التقدير : (وَلَئِنْ لَمْ) كما صرّح بهذا في غير موضع ؛ كقوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) [الأحزاب : ٦٠] ؛ ونظير هذه الآية قوله : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَ) [الأعراف : ٢٣] (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١] ، وتقدّم أنّ هذا النوع من جواب القسم يجب أن يتلقّى باللام وإحدى النونين عند البصريّين ، إلّا ما استثني ، كما تقدّم ، قال الزمخشريّ : «فإنّ قلت : فهلّا قيل : ليمسّهم عذاب ، قلت : في إقامة الظاهر مقام المضمر فائدة ، وهي تكرير الشهادة عليهم بالكفر».
وقوله : «منهم» في محلّ نصب على الحال ، قال أبو البقاء (٢) : إمّا من «الّذين» ، وإمّا من ضمير الفاعل في «كفروا» ، قلت : لم يتغيّر الحكم في المعنى ؛ لأن الضمير الفاعل هو نفس الموصول ، وإنما الخلاف لفظيّ ، وقال الزمخشريّ (٣) : «من» في قوله تعالى : (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) للبيان كالتي في قوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] قال شهاب الدين (٤) : فعلى هذا يتعلق «منهم» بمحذوف ، فإن قلت : هو على جعله حالا متعلق أيضا بمحذوف ، قلت : الفرق بينهما أنّ جعله حالا يتعلّق بمحذوف ، ذلك المحذوف هو الحال في الحقيقة ، وعلى هذا الوجه يتعلّق بفعل مفسّر للموصول الأول ، كأنه قيل : أعني منهم ، ولا محلّ ل «أعني» ؛ لأنها جملة تفسيرية ، وقال أبو حيان (٥) : «و «من» في «منهم» للتبعيض ، أي : كائنا منهم ، والربط
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٢ / ٥١.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٣.
(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٦٦٤.
(٤) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٨٣.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥٤٤.