الذمّ ، والمخصوص بالذمّ محذوف ، و (قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) جملة في محلّ رفع صفة له ، والتقدير : لبئس الشيء شيء قدّمته لهم أنفسهم ، ف (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بدل من «شيء» المحذوف ، وهذا هو مذهب سيبويه (١) ؛ كما تقدّم تقريره.
الثاني : أنه هو المخصوص بالذمّ ، فيكون فيه الثلاثة أوجه المشهورة :
أحدها : أنه مبتدأ ، والجملة قبله خبره ، والرابط على هذا العموم عند من يجعل ذلك ، أو لا يحتاج إلى رابط ؛ لأن الجملة عين المبتدأ.
الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف ؛ لأنك لمّا قلت : «بئس الرّجل» قيل لك : من هو؟ فقلت : فلان ، أي : هو فلان.
الثالث : أنه مبتدأ ، خبره محذوف ، وقد تقدّم تحرير ذلك ، وإلى كونه مخصوصا بالذمّ ذهب جماعة كالزمخشريّ ، ولم يذكر غيره ، قال : (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) هو المخصوص بالذمّ ؛ كأنه قيل : لبئس زادهم إلى الآخرة سخط الله تعالى عليهم ، والمعنى : موجب سخط الله» ، قال شهاب الدين (٢) : وفي تقدير هذا المضاف من المحاسن ما لا يخفى على متأمّله ؛ فإنّ نفس السّخط المضاف إلى الباري تعالى لا يقال هو المخصوص بالذمّ ، إنما المخصوص بالذمّ أسبابه ، وذهب إليه أيضا الواحديّ ومكي (٣) وأبو البقاء (٤) ، إلّا أنّ أبا حيان (٥) بعد أن حكى هذا الوجه عن أبي القاسم الزمخشريّ قال : «ولم يصحّ هذا الإعراب إلا على مذهب الفرّاء والفارسيّ في جعل «ما» موصولة ، أو على مذهب من يجعل «ما» تمييزا ، و «قدّمت لهم» صفتها ، وأمّا على مذهب سيبويه ، فلا يتأتّى ذلك» ثم ذكر مذهب سيبويه.
والوجه الثالث من أوجه «أن سخط» : أنه في محلّ رفع على البدل من «ما» ، وإلى ذلك ذهب مكي (٦) وابن عطية (٧) ، إلا أن مكّيّا حكاه عن غيره ، قال : «وقيل : في موضع رفع على البدل من «ما» في «لبئس» على أنها معرفة» ، قال أبو حيان (٨) ـ بعد ما حكى هذا الوجه عن ابن عطيّة ـ : «ولا يصحّ هذا ، سواء كانت «ما» تامّة أو موصولة ؛ لأنّ البدل يحلّ محلّ المبدل منه ، و «أن سخط» لا يجوز أن يكون فاعلا ل «بئس» ؛ لأنّ فاعل «بئس» لا يكون أن والفعل» وهو إيراد واضح كما قاله.
الوجه الرابع : أنه في محلّ نصب على البدل من «ما» ، إذا قيل بأنها تمييز ، ذكر ذلك مكي (٩) وأبو البقاء (١٠) ، وهذا لا يجوز ألبتة ؛ وذلك لأنّ شرط التمييز عند البصريين
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ٤٧٦.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٨٨.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٤٢.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٣.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥٤٩.
(٦) ينظر : المشكل ١ / ٢٤٢.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٢٥.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥٤٩.
(٩) ينظر : المشكل ١ / ٢٤٢.
(١٠) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٣.