مشتقّا من هذا الاسم ؛ كالأبوّة والأخوّة والفتوّة من لفظ أب وأخ وفتى ، وتقدم أن القسّ بالفتح في الأصل هو المصدر ، وأنّ العالم سمّي به مبالغة ، قال شهاب الدين : ولا أدري ما حمل من قال: إنه معرّب مع وجود معناه في لغة العرب كما تقدم؟.
والرّهبان : جمع راهب ؛ كراكب وركبان ، وفارس وفرسان ، وقال أبو الهيثم : «إنّ رهبانا يكون واحدا ويكون جمعا» ؛ وأنشد على كونه مفردا قول الشاعر : [الرجز]
٢٠٣٨ ـ لو عاينت رهبان دير في القلل |
|
لأقبل الرّهبان يعدو ونزل (١) |
ولو كان جمعا ، لقال : «يعدون» و «نزلوا» بضمير الجمع ، وهذا لا حجّة فيه ؛ لأنه قد عاد ضمير المفرد على الجمع الصريح ؛ لتأوّله بواحد ؛ كقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [النحل : ٦٦] ، فالهاء في «بطونه» تعود على الأنعام ؛ وقال : [الرجز]
٢٠٣٩ ـ وطاب ألبان اللّقاح وبرد (٢)
في «برد» ضمير يعود على «ألبان» ، وقالوا : «هو أحسن الفتيان وأجمله» ؛ وقال الآخر : [الرجز]
٢٠٤٠ ـ لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل |
|
على الجبال الشّمّ لانهدّ الجبل (٣) |
إلى غير ذلك ممّا يطول ذكره ، ومن مجيئه جمعا الآية ، ولم يرد في القرآن الكريم إلا جمعا ؛ وقال كثير : [الكامل]
٢٠٤١ ـ رهبان مدين والّذين عهدتهم |
|
يبكون من حذر العقاب قعودا |
لو يسمعون كما سمعت كلامها |
|
خرّوا لعزّة ركّعا وسجودا (٤) |
قيل : ولا حجّة فيه ؛ لأنه قال : «والّذين» فيحتمل أنّ الضمير إنما جمع ؛ لأجل هذا الجمع ، لا لكون «رهبان» جمعا ، وأصرح من هذا قول جرير : [الكامل]
٢٠٤٢ ـ رهبان مدين لو رأوك تنزّلوا |
|
والعصم من شعف العقول الفادر (٥) |
قال أبو الهيثم : وإن جمع الرّهبان الواحد «رهابين ورهابنة» ، جاز ، وإن قلت : رهبانيّون كان صوابا ؛ كأنك تنسبه إلى الرّهبانيّة ، والرّهبانيّة من الرّهبة ، وهي المخافة ،
__________________
(١) ينظر : الطبري ٥ / ٥ ، القرطبي ٦ / ٢٥٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ٢٢٦ ، الدر المصون ٢ / ٥٩١.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٩٢.
(٣) ينظر : شرح المفصل ٩ / ٨٠ ، وشرح الملوكي ٣٨٧ الدر المصون ٢ / ٥٩٢.
(٤) ينظر : ديوانه ٤٤١ ، ٤٤٢ ، الخصائص ١ / ٢٧ ، شرح ابن عقيل ٢ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، الدر المصون ٢ / ٥٩٢.
(٥) ينظر : ديوانه ٣٠٥ ، معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٠٤ القرطبي ٦ / ٢٥٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ٢٢٦ الطبري ٥ / ٥ ، الدر المصون ٢ / ٥٩٢.